تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[26 - 03 - 2010, 08:33 ص]ـ

ومن ذلك أيضا:

قوله تعالى: (فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ):

فإذا جاءتهم الحسنة الكونية فجهة الإضافة هنا إلى الرب، جل وعلا، فهو محدث الحسنة الكونية من رزق وخصب ونماء ..... إلخ بمشيئته العامة، فإذا جاءتهم، والتعبير بالمجيء، كما يقول صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، مئنة من الرغبة في حصول الشيء الجائي، فمجيئه مئنة من ترقب وقوعه، فالنفس تتوق إلى ما يسرها فتترقب حصوله فيكون انتظارها له من جنس انتظار المقيم لجاءٍ يحبه ويرغب في قدومه، بخلاف الإصابة في السيئة، فالإصابة مظنة من عدم توقع حصول الشيء لكونه مكروها مبغضا تستدفع النفس أسباب وقوعه ولا تتوق إلى وقوعه، وإن كان فيه صلاحها باعتبار المآل، فقد يكون الابتلاء مادة تذكير وتطهير، فيكون خيره الآجل أضعاف شره العاجل، فيكون منحة من هذا الوجه، لمن سدده الرب، جل وعلا، وثبته فاستحضر تلك المعاني الدقيقة ي ساعات النوازل الشديدة.

وجاء تعريف الحسنة بـ: "أل" الجنسية، مئنة من العموم مع إفادتها العهد الذهني، كما ذكر ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فالجائي المنتظر، كما تقدم، مترقب الحصول والوقوع لاعتياد النفس ذلك، فحسنات الرب، جل وعلا، متواترة لا ينقطع إسنادها، فخيره إلينا نازل في كل وقت، سواء أكان خيرا شرعيا من وحي منزل بأكمل المناهج، فالرسالات مادة صلاح حياة المكلف: الأولى والآخرة، فبها يسعد في عاجل أمره وآجله، أم كان خيرا كونيا فـ: (إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا)، فإضافتها إلى المعرفة مئنة من العموم، كما قرر أهل الأصول، فذلك وجه تحليتها بـ: "أل" الجنسية الاستغراقية مع تضمنها معنى: "أل" العهدية الذهنية، فهي مئنة من تكرار مباشرة العبد لها حتى صارت له مألوفة معهودة، فذلك آكد في تقرير المنة الربانية على عموم البرية، وفيه من وجه آخر: إشارة لطيفة إلى غفلة العبد عن شكران هذه النعم المتتالية، فقد أصابه داء الإلف، فصارت عنده بمنزلة العادات فلا يستحضر حال مباشرتها فضل الرب، جل وعلا، فهو المنعم بها.

وأضف إلى ذلك دلالة: "إذا" الشرطية على كثرة الوقوع، كما أشار إلى ذلك صاحب "الجواهر"، وصاحب "التحرير والتنوير"، رحمهما الله، فذلك معنى لا يفارق: "إذا" الشرطية، فكل ما تقدم آكد في تقرير المنة الربانية بتوالي النعم بلا انقطاع، فهي منتظرة في كل ساعة بل في كل لحظة، فيترقبها العبد، كما تقدم، ترقبه للجائي المرغوب، وهي معرفة بالاستغراق الذي لا يخلو من دلالة العهد فذلك، أيضا، مئنة من ترقب الحصول باستمرار، وهي مع ذلك مصدرة بأداة شرط دالة على كثرة الوقوع فأي بلاغة في الدلالة على هذه المعاني الجليلة التي يستغرق بيانها صفحات بـ: ثلاث كلمات: "فإذا جاءتهم الحسنة"؟!.

فإذا جاءتهم الحسنة قالوا: لنا هذه، فنسبوا خيرها إلى أنفسهم على جهة الاستحقاق والاختصاص بتقديم ما حقه التأخير فضلا عن دلالة اللام في مثل هذا الموضع على الاختصاص والاستحقاق. وجاء الجواب بالماضي: "قالوا": مئنة من التوكيد فهو أمر واقع متحقق يصح الإخبار عنه بالماضي الذي انقضى زمانه.

وعلى جهة المقابلة لكل ما تقدم، فذلك أدل على المراد من إثبات الخير واليمن لهم وإثبات ضده من الشر والشؤم لموسى عليه السلام ومن معه، فالسياق قد بلغ الغاية في المقابلة بين المعاني على وجه تمايزت به الأضداد، وإن كان كلامهم باطلا، فالبلاغة حاصلة فيه من جهة دلالتهم على مرادهم وإن كان باطلا في نفس الأمر.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير