تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أو على جهة النقمة، وأظهر صوره نزول العذاب، كما في سياق قوله تعالى: (فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ)، فالمادة واحدة، والسياق هو الذي يعين المعنى المراد، فمادة النزول المطلق: جنس أعلى تندرج تحته أنواع من النزول المقيد: كونية كانت أو شرعية، والنزول الكوني بالنظر إلى ما تحته من الخير أو الشر: جنس أعلى هو الآخر، وإن كان جنسا أدنى بالنظر إلى النزول المطلق، فيندرج تحته الخير أو الشر، فهو جنس أعلى لهما من هذا الوجه، ويندرج هو تحت النزول المطلق، فهو نوع من أنواعه، فيكون جنسا لما تحته، نوعا لما فوقه، على ما اطرد من كلام أهل النظر والأصول في تعريف العموم والخصوص، وتفاوت مراتبه، فالعموم والخصوص: درجات متفاوتة: أوسعها: العام الذي لا أعم منه كعموم الشيء، وأضيقها: الخاص الذي لا أخص منه، كزيد أو عمرو من نوع الإنسان فهو فرد بعينه لا يقبل معناه الانقسام فلا أخص منه، وبين هذين الحدين: درجات متفاوتة من العموم والخصوص، فذلك جار على أصول النظر الصحيح، ويؤيده الوحي الذي تصرف في مواد اللسان العربي إطلاقا أو تقييدا، فاللفظ المطلق، كلفظ الإنزال المطلق: محل البحث، بما يرد عليه من القيود: يدل على معان تتباين بتباين تلك القيود، فمنه كما تقدم: كوني وشرعي، يأتي بيانه، ومنه خير وشر، ومنه إنزال لمشروب كالماء، أو مطعوم كالمن والسلوى وما نزل على أصحاب المائدة.

ومنه الإنزال الشرعي: على جهة النعمة، ولا يكون، أيضا، إلا خيرا، فمتعلق الشرع خير كله، بخلاف متعلق الكون فإنه يحتمل الخير إن تعلق بالإرادة الشرعية الخاصة فهي مئنة من المحبة والرضا، ويحتمل كل كائن في هذا العالم: خيرا كان أو شرا إن تعلق بالإرادة الكونية العامة فهي مئنة من القدرة الربانية النافذة.

وابتداء غاية الإنزال من: السماء: وهي كما تقدم في مواضع سابقة تحتمل، أيضا، أكثر من معنى، فتحتمل الدلالة المعجمية المطلقة فكل ما علا الإنسان سماء له، فينزل المطر من جهة الأعلى بداهة، وتحتمل الدلالة العرفية المقيدة على السماء المخلوقة التي تظل الأرض، فالمطر ينزل منها فذلك، أيضا من جملة العلوم الضرورية البدهية، وتحتمل السحاب، فيكون ذلك من ذكر المحل وإرادة الحال فيه، وتحتمل الدلالة على عين النازل وهو المطر كما في حديث زيد بن خالد الجهني، رضي الله عنه، مرفوعا وفيه: "صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ عَلَى إِثْرِ سَمَاءٍ"، والسياق، كما تقدم، هو الذي يعين مراد المتكلم، فالسياق هنا يحتمل المعاني الثلاثة الأُوَل دون المعنى الرابع، ودلالته على المعنى الأول والثاني: أظهر، ودلالته على المعنى الثاني تحديدا وهو السماء المخلوقة: أظهر، فهو الذي يتبادر إلى ذهن أي مخاطب ما لم تدل قرينة معتبرة على غيره.

وأطلق الماء: "ماء" في معرض الامتنان، فذلك مئنة من الكثرة، ووصف بالطهور إمعانا في بيان وجوه النعمة، فالمبالغة، وهي زيادة في مبنى اللفظ، على وزان: فلان صبور، أي كثير الصبر، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، تلك المبالغة بالعدول عن صيغة فاعل إلى صيغة فعول: زيادة في المعنى فهو طاهر في نفسه، فذلك وصفه اللازم، مطهر لغيره، فذلك وصفه المتعدي، فيباين الطاهر في نفسه الذي خالطه ما غلب على اسمه كماء الورد والزعفران، فذلك لا يطهر غيره كما قرر أهل الفقه في باب المياه من كتاب الطهارة، فامتن الرب، جل وعلا، على عباده بإنزال الماء الطهور المطلق، وجاء التعقيب بوجوه الانتفاع به إمعانا في تقرير النعمة الربانية:

لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا: فاستعير وصف الحياة والموت، للري فهو سبب حياة الأرض بالنبات، والجفاف فهو سبب هلاك الزروع.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير