[الفرق بين الحكم النظري العام على الراوي والحكم عليه عند تخريج حديث معين له.]
ـ[سراج الأفغاني]ــــــــ[15 - 11 - 09, 12:46 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
[الفرق بين الحكم النظري العام على الراوي والحكم عليه عند تخريج حديث معين له.]
أولا: يقصد بالعبارة المذكورة نوعان للحُكم على الرواة يصدُران من أئمة الجرح والتعديل لتوثيقهم أو تضعيفهم:
النوع الأول: الحكم النظري العام: ويقصد به ألفاظ وعبارات الجرح والتعديل التي أطلقها الأئمة النُقَّاد على الرواة, وهي على قسمين:
القسم الأول: ما وصلنا من عبارات أطلقها الأئمة على الرواة, وهذا أكثر الأقسام وجوداً, مثل قولهم: فلان ثقة، فلان ثبت، أو ليس به بأس أو صدوق، أو ضعيف، أو ليس بقوي، ثقة عن فلان، ضعيف إذا حدث من حفظه, وغير ذلك من العبارات والألفاظ.
القسم الثاني: حركات وإشارات تصدُر من النقاد حين يردُ ذكر بعض الرُّواة, كتحميض الوجه أو تحريك الرأس, أو الإشارة باليد.
النوع الثاني: (الحكم عليه عند تخريج حديثه) ويقصد به الحكم التطبيقي، "وهو بيان حال الراوي في حديث معين بخُصوصه"، ويكون أدق من الحكم النظري العام في تشخيص حالته الراوي في ذلك الحديث المعين وتنزيل الحكم عليه تصحيحا وتضعيفا، ويتأتي الفرق بين الحكم النظري العام على الراوي والحكم عليه عند تخريج حديثه إذا أخطأ الثقة في حديث معين، أو ضبط الضعيف حديثا معينا، وظهر لنا ذلك من القرائن المحتفة بالحديث المعين، شريطة أن لا يكون مرجع تلك القرائن المحتفة إلى الحكم العام الرَّاوي، لأنه إذا كان الحكم العام على الراوي هو مرجع القرائن المحتفة التي اعتمدناها في تخطئة ثقة أو قبول حديث ضعيف، فحينئذ لا فرق بين الحكم العام والحكم الخاص, بل إنما طبقنا الحكم النظري العام كما هو في ميدان التطبيق.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية (رحمه الله): "الراوى إما أن تقبل روايته مطلقا أو مقيدا، فأما المقبول إطلاقا فلا بد أن يكون مامون الكذب بالمظنة، وشرط ذلك العدالة وخلوه عن الأغراض والعقائد الفاسدة التى يظن معها جواز الوضع، وأن يكون مأمون السهو بالحفظ والضبط والإتقان، وأما المقيد يختلف بإختلاف القرائن ولكل حديث ذوق ويختص بنظر ليس للآخر".
ثم قال رحمه الله: "كم من حديث صحيح الإتصال، ثم يقع فى أثنائه الزيادة والنقصان فرب زيادة لفظة تحيل المعنى ونقص أخرى كذلك ومن مارس هذا الفن لم يكد يخفى عليه مواقع ذلك ولتصحيح الحديث وتضعيفه أبواب تدخل وطرق تسلك ومسالك تطرق". ()
قلتُ: يقصدُ رحمه الله بقوله: "ولكل حديث ذوق ويختص بنظر ليس للآخر" أن لكل حديث نقدا خاصًّا به يختلف عن حديث آخر، فمعرفة مواطن الخلل في الروايات لا تتيسر بمجرد تنزيل الأحكام العامة على رجال أسانيدها، بل تتطلب النظر الخاص في كل حديث برأسه، قال الحافظ ابن رجب الحنبلي (رحمه الله): "وربما يستنكرون بعض تفردات الثقات الكبار أيضا، ولهم في كل حديث نقد خاص، ليس عندهم لذلك ضابط يضبطه". ()
وقال ابن القيِّم رحمه الله في معرض كلامه على رجال بعض الأحاديث:
"وربما يظن الغالط الذي ليس له ذوق القوم ونقدهم أن هذا تناقض منهم، فإنهم يحتجون بالرجل ويوثقونه في موضع، ثم يضعفونه بعينه ولا يحتجون به في موضع آخر، ويقولون: إن كان ثقة وجب قبول روايته جملة، وإن لم يكن ثقة وجب ترك الاحتجاج به جملة، وهذه طريقة قاصري العلم، وهي طريقة فاسدة مجمع بين أهل الحديث على فسادها، فإنهم يحتجون من حديث الرجل بما تابعه غيره عليه وقامت شهوده من طرق ومتون أخرى، ويتركون حديثه بعينه إذا روى ما يخالف الناس أو انفرد عنهم بما لا يتابعونه عليه، إذ الغلط في موضع لا يوجب الغلط في كل موضع، والإصابة في بعض الحديث أو في غالبه لا توجب العصمة من الخطأ في بعضه ولا سيما إذا علم من مثل هذا أغلاط عديدة، ثم روى ما يخالف الناس ولا يتابعونه عليه فإنه يغلب على الظن أو يجزم بغلطه". ()
قلت: ومن هنا نشأت مصطلحات تطلق على أحاديث مردودة تندرج تحت نوع الضعيف، رواتها ثقات لكنهم أخطؤوا فيها، كمصطلح الشاذ، والتفرد، وزيادة الثقة، وتعارض الوصل والإرسال، والمصحف والمدرج والمقلوب.
¥