وهذا الاختلاف في الظاهر له أسباب عديدة قد أوضح ابن القيم رحمه الله تعالى شيئاً منها فقال: "ونحن نقول لا تعارض بحمد الله بين أحاديثه الصحيحة، فإذا وقع التعارض، فإما أن يكون أحد الحديثين ليس من كلامه e، وقد غلط فيه بعض الرواة مع كونه ثقة ثبتاً، فالثقة يغلط، أو يكون أحد الحديثين ناسخاً للآخر، إذا كان مما يقبل النسخ، أو التعارض في فهم السامع لا في نفس كلامه e، فلا بد من وجه من هذه الوجوه الثلاثة." اهـ ([19] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=41#_ftn19))
سابعاً:مسالك أهل العلم في دفع مختلف الحديث:
القول الذي عليه جماهير أهل العلم ([20] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=41#_ftn20)) في دفع التعارض بين مختلف الحديث، هو أن يسلك المجتهد الطرق التالية:
1 - الجمع بين الحديثين: لاحتمال أن يكون بينهما عموم وخصوص، أو إطلاق وتقييد، أو مجمل ومبين؛ لأن القاعدة عند أهل العلم أن إعمال الكلام أولى من إهماله ([21] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=41#_ftn21))
قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: (ولا ينسب الحديثان إلى الاختلاف ما كان لهما وجها يمضيان معاً، إنما المختلف مالم يمضي إلا بسقوط غيره مثل أن يكون الحديثان في الشيء الواحد هذا يحله وهذا يحرمه) ([22] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=41#_ftn22))
قال الخطابي رحمه الله تعالى: (وسبيل الحديثين إذا اختلفا في الظاهر وأمكن التوفيق بينهما وترتيب أحدهما على الآخر، أن لا يحملا على المنافاة، ولا يضرب بعضها ببعض، لكن يستعمل كل واحد منهما في موضعه، وبهذا جرت قضية العلماء في كثير من الحديث) ([23] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=41#_ftn23)).
2- النسخ: إن لم يمكن الجمع بين الحديثين، ينظر في التاريخ؛ لمعرفة المتأخر من المتقدم، فيكون المتأخر ناسخاً للمتقدم، قال الشافعي -رحمه الله-: (فإذا لم يحتمل الحديثان إلا الاختلاف كما اختلفت القبلة نحو بيت المقدس والبيت الحرام، كان أحدهما ناسخا والآخر منسوخا) ([24] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=41#_ftn24))
3- الترجيح: إن لم يمكن الجمع، ولم يقم دليل على النسخ، وجب المصير إلى الترجيح الذي هو تقوية أحد الحديثين على الآخر بدليل ([25] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=41#_ftn25)) لا بمجرد الهوى. قال الشافعي: -رحمه الله تعالى (ومنها ما لا يخلو من أن يكون أحد الحديثين أشبه بمعنى كتاب الله أو أشبه بمعنى سنن النبي e مما سوى الحديثين المختلفين أو أشبه بالقياس فأي الأحاديث المختلفة كان هذا فهو أولاهما عندنا أن يصار إليه) ([26] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=41#_ftn26)).
4- التوقف: إذا تعذر كل ما تقدم من الجمع والنسخ والترجيح فإنه يجب التوقف حينئذ عن العمل بأحد الحديثين حتي يتبين وجه الترجيح. قال الشاطبي: -رحمه الله تعالى: ( ... التوقف عن القول بمقتضى أحدهما وهو الواجب إذا لم يقع ترجيح ... ) ([27] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=41#_ftn27)). قال السّخاوي -رحمه الله تعالى-: (ثم التوقف عن العمل بأحد الحديثين والتعبير بالتوقف أولى من التعبير بالتساقط لأن خفاء ترجيح أحدهما على الآخر إنما هو بالنسبة للمعتبر في الحالة الراهنة مع احتمال أن يظهر لغيره ما خفى عليه وفوق كل ذي علم عليم) ([28] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=41#_ftn28)).
ثامناً: المؤلفات في علم مختلف الحديث:
1 - كتاب اختلاف الحديث للإمام الشافعي (204هـ): ويعتبر هذا الكتاب أول مؤلَّف في هذا الفن، حيث لم يتقدم الشافعي إلى التأليف فيه أحد من أهل العلم، ولذا قال الإمام السيوطي في ألفيته:
أول من صنف في المختلف الشافعي فكن بذا النوع حفي
وقد طبع عدة طبعات: أولاها: طبعة بولاق سنة (1325هـ) بهامش الجزء السابع من كتاب الأم للشافعي.
2 - ثم طبع مستقلاً بتصحيح محمد زهري النجار.
3 - ثم حققه إبراهيم بن محمد الصبحي في رسالة ماجستير في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عام (1399هـ)
¥