فنلاحظ أن الإمام مسلم رحمه الله قد قسم الأخبار إلى ثلاثة أقسام،دون أن يطلق عليها مصطلحاً معيناً، وإنما وصف حال رواتها قال أوائل الثقات الكبار، والذين بعدهم هم الشيوخ من أهل الصدق وطلب العلم، ثم المتهمون والغالب على حديثهم النكارة أو الغلط.
ولما كان الإمام مسلم قد شرط على نفسه أنه لا يخرج في كتابه إلا حديثا صحيحاً، وبين أنه يخرج أحاديث القسم الأول والثاني، كان اسم الصحة صادقاً على حديث هؤلاء جميعاً غير أن حديث بعضهم أصح من بعض، وترك الرواية عن أحاديث الضعفاء.
فيمكن لنا أن نقول أن الأخبار تنقسم عند مسلم إلى ثلاثة أقسام هي:-
1 - صحيح قوي
2 - صحيح دون الذي قبله
3 - الضعيف
وأما الإمام أبو داود في رسالته لأهل مكة فيقول:" فإنكم سألتم أن أذكر لكم الأحاديث التي في كتاب السنن أهي أصح ما عرفت في الباب ووقفت على جميع ما ذكرتم فاعلموا أنه كذلك كله إلا أن يكون قد روي من وجهين صحيحين فأحدهما أقوم إسنادا والآخر صاحبه أقدم في الحفظ فربما كتبت ذلك … وليس في كتاب السنن الذي صنفته عن رجل متروك الحديث شيء، وإذا كان فيه حديث منكر بينت أنه منكر …. وما كان في كتابي من حديث فيه وهن شديد بينته ومنه مالا يصح سنده، وما لم أذكر فيه شيئاً فهو صالح وبعضها أصح من بعض". فحاصل كلامه رحمه الله أن الأحاديث في سنته ثلاثة أقسام، الأول الصحيح والثاني الصالح والثالث ما فيه وهن شديد بينه وما لا يصح سنده فنجده أطلق الاصطلاح على القسم الأول، والقسمين الآخرين ذكرهما بما يشبه الوصف ولم يطلق عليهما مصطلحاً أو أن يقال أن (صالح) اصطلاح خاص به.
فهذا كلام إمامين عظيمين من أئمة هذا الشأن يثبت أن تقسيم الحديث عند أهله كان تقسيماً ثلاثياً،
على النحو التالي:-
أ - المقبول.
ب - المردود.
ج- دون الأول وفوق الثاني وإلى القبول أقرب.
وأما الإمام الترمذي فخص في كتابة الحديث الذي بين الصحة والضعف بلفظ الحسن فيكون تقسيم الحديث عنده ثلاثة أقسام هي الصحيح والحسن والضعيف.
قال البيهقي في رسالته إلى أبي محمد الجويني: " الأحاديث المروية ثلاثة أنواع:نوع اتفق أهل العلم على صحته، ونوع اتفقوا على ضعفه، ونوع اختلفوا في ثبوته فبعضهم صححه، وبعضهم يضعفه لعلة تظهر له، إما أن يكون خفيت العلة على من صححه، وأما أن يكون لا يراها معتبرة قادحة"
في حين يرى الإمام ابن تيمية أن التقسيم الثلاثي بهذه الصورة لم يكن معروفاً عند أهل الحديث وأن الترمذي هو أول من قسم الحديث إلى هذا التقسيم فقال:” فهذا أول من عُرف أنه قسمه هذه القسمة أبو عيسى الترمذي ولم تعرف هذه القسمة عن أحد قبله ….وقال: وأما من كان قبل الترمذي من العلماء فما عرف عنهم هذا التقسيم الثلاثي،لكن كانوا يقسمونه إلى صحيح وضعيف والضعيف عندهم نوعان ضعيف ضعفاً لا يمنع العمل به وهو يشبه الحسن في اصطلاح الترمذي وضعيف ضعفاً يوجب تركه وهو الواهي".
وقال في منهاج السنة: " قولنا إن الحديث الضعيف خير من الرأي ليس المراد به الضعيف المتروك لكن المراد به الحسن كحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وحديث ابراهيم الهجري وأمثالهما ممن يحسن الترمذي حديثه أو يصححه وكان الحديث في اصطلاح من قبل الترمذي إما صحيحاً وغما ضعيفاً والضعيف نوعان ضعيف متروك وضعيف ليس بمتروك فتكلم أئمة الحديث بذلك الاصطلاح فجاء من لا يعرف إلا اصطلاح الترمذي فسمع قول بعض الأئمة الحديث الضعيف أحب إلي من القياس فظن أنه يحتج بالحديث الذي يضعفه مثل الترمذي وأخذ يرجح طريقة من يرى أنه أتبع للحديث الصحيح وهو في ذلك من المتناقظين الذين يرجحون الشيء على ما هو أولى بالرجحان منه إن لم يكن دونه".
وتابع ابن القيم شيخه شيخ الإسلام على هذا فقال في بيان أصول أحمد: " وليس المراد بالضعيف عنده الباطل ولا المنكر ولا ما في روايته متهم بالكذب بحيث لا يصوغ الذهاب إليه فالعمل به بل الحديث الضعيف عنده قسيم الصحيح وقسم من أقسام الحسن ولم يكن يقسم الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف بل إلى صحيح وضعيف وللضعيف عنده مراتب".
وتابعهما الذهبي على ذلك فقال:" وأما الترمذي فهو أول من خص هذا النوع باسم الحسن".
¥