[أثر اختلاف أصحاب الشيخ الواحد فى ترجيح الروايات]
ـ[أبو عبد الله محمد بن جلال]ــــــــ[08 - 11 - 10, 06:04 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبينا محمد الأمين - صلى الله عليه وسلم
وبعد:
إن الملابسات والقرائن والأحوال التي قد تحيط بالرواية الواحدة كثيرة، يلزم من المعرفة بها؛ الحكم بما تقتضيه، ومن هذه القرائن؛ قرينة إختلاف أصحاب الشيخ الواحد فيما بينهم في رواية ما من حيث درجة حفظهم وضبطهم، فمنهم القريب من الشيخ الملازم له، ومنهم من كان سماعه قديما في ذاك الشيخ، كل هذه القرائن قواعد سبرها وخبرها العلماء بالتجربة والممارسة النقدية للمرويات؛ فتتعدد طبقات أصحاب الشيخ الواحد؛ فهذا يقدم على ذلك، وذاك متقن لهذه وتلك، وهكذا 0
فإذا انفرد راوي ما بإ سناد ما – أو متن - عن أحد شيوخه ولم يتابعه أحدٌ من أقرانه، ولم يكن من الطبقة التي يحتمل عنها التفرد، ودلت القرائنٌ على وهمه وخطئه؛ كخلل في حفظه مع مخالفته لللأ ثبات من أصحاب الشيخ خاصة، وأثبات العصر عامة، ولسيما إذا كان الشيخ مما تدور عليه أكثر الأحاديث – كأبي الزناد عبد الله بن ذكوان، وعبد الرحمن بن هرمز، والزهري، وأشباههم – كل هذا يدل على الخطأ والوهم والإغراب من الراوي 0
قال عبد الرحمن بن مهدى: يُذكرُ عن شعبة، قيل له: من الذي يترك حديثه؟ قال: «الذي روى عن المعروفين مالا يعرفه المعروفون فأكثر طرح حديثه» (الكفاية للخطيب / 1 / برقم 401)
إذن فليس كل راوي مقدم في شيخه، فقد تعتريهم أحوالُ وقرائنُ؛ فمنهم من قد يختلطُ بأخره أو قد يضعّفون في شيخ معين أو بالنسبة لأهل بلد معين، إلى غيرها من الملابسات والقرائن والقواعد المنضبطة على الأصول الحديثية، وليس لهم في ذلك ضابط، ولا قاعدة مطردة، وإنما كل حديث له ملابساته 0
يقول الحافظ العلائى في صدد بيانه المرجحات في المرويات المتداخلة: «ووجوه الترجيح كثيرة لا تنحصر ولا ضابط لها بالنسبة إلى جميع الأحاديث بل كل حديث يقوم به ترجيح خاص، وإنما ينهض بذلك الممارس الفطن الذي أكثر من الطرق والروايات ولهذا لم يحكم المتقدمون في هذا المقام بحكم كلى … (نقلا عن الحافظ فى نكته / 1/ 712).
ويقول الحافظ ابن رجب: «وأما أكثر الحفاظ المتقدمين فإنهم يقولون في الحديث إذا تفرد به واحد، وإن لم يروى الثقاتُ خلافه: إنه لا يتابع عليه، ويجعلون ذلك علة فيه اللهم إلا أن يكون ممن كثر حفظهُ واشتهرت عدالته وحديثه كالزهرى ونحوه، وربما يستنكرون بعض تفردات الثقات الكبار أيضا، ولهم في كل حديث نقد خاص، وليس عندهم لذلك ضابطٌ يضبطه» العلل.
إذن «لدراسة مرويات التلاميذ عن شيوخهم ومقارنة بعضها ببعض أهمية كبيرة في التعرف على مراتبهم في الحفظ وتحديد طبقاتهم في الضبط والإتقان لحديث شيخهم، ويعد هذا من الآثار المهمة لعملية التعليل، ومن هاهنا نجد لنقاد الحديث – رحمهم الله – نصوصا كثيرة، يحددون فيها مراتب الرواة بالنسبة لشيوخهم ومن هو الأثبت فيهم، ومن هؤلاء الذين عنوا بهذا الأمر عناية فائقة، الإمام أحمد – رحمه الله – إذ نجد له نصوصا وأقوالا كثيرة يحدد فيها بدقة بالغة مراتب الرواة وتفاوتهم في ضبط حديث شيخهم وكثرة استيعابهم له وقلته …»