تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فالحاصل: أنه كان لهؤلاء النقاد المتقدمين من المعرفة والفهم والاطلاع على الأصول ما يستطيعون به أن يميزوا بين صحيح حديث الراوي وسقيمه، سواء كان هذا الراوي مدلسا ولم يذكر في حديثه سماعا أو ذكره، فكل ذلك سيان، وقد كان ابن لهيعة يقسم أنه سمع من عمرو بن شعيب، وكلمة النقاد تكاد تكون متفقة على أنه لم يسمع منه!

إذا عرفتَ هذا: علمتَ خطأ من يستدرك على المتقدم في إعلاله حديثًا لمدلس أو مختلط، بكون المدلس قد صرح بالسماع! أو أن المختلط قد رواه عنه من سمع منه قديمًا!

ولذلك: فكل حديث يصححه أحد حذاق المتقدمين فهو صحيح، وإن كان ظاهر إسناده ضعيفًا عند المتأخر! ولا يلزم من تصحيح المتقدم لهذا الحديث الذي يكون فيه مدلس أو مختلط أو ضعيف = أن يكون هذا المدلس لم يكن يدلس! أو هذا المختلط ما كان اختلط! أو هذا الضعيف يراه الناقد قوي الحديث! بل لا يزال المدلس مدلسا، والمختلط مختلطا والضعيف ضعيفا عند هذا الإمام المتقدم، ومع ذلك فحديثه صحيح.

فكون الإمام أحمد أو البخاري ومسلم وغيرهم: كانوا يصححون أحاديث للأعمش لم يذكر فيها سماعًا فيما وقع إلينا من حديث الأعمش، لا يدل ذلك على أنهم كانوا لا يرون الأعمش مدلسا، أو كانوا يرونه قليل التدليس! لأن هذا تخرصٌ لا يليق بالعارف المطلع على مآخذ التصحيح والتضعييف عند هؤلاء الجهابذة! اللهم إلا أن ينص المتقدم بلفظه على أن هذا المدلس لم يكن مدلسا، أو كان قليل التدليس! وهذا مسلك دقيق قل من تنبه له.

وما يدري المعترض - مثلا - أن الأعمش لم يذكر سماعه فيما وقع لمن صحح حديثه من كل متقدم حاذق؟ وعدم الوجدان عند المتأخر ليس دليل العدم، لا سيما إذا عرفتَ أن العنعنة أكثر ما تكون من تصرف مَن دون المدلس! كما نبه عليه المعلمي اليماني في (التنكيل) فربما كان المدلس صرح بالسماع، لولا أن الراوي عنه أو من دونه قد قلب العنعنة سماعًا.

وعليه: فلا حجة لمن ذهب إلى أن الأعمش كان قليل التدليس بمجرد أن الإمام أحمد والشيخين قد صححوا له أحاديث لم يوجد فيها تصريحه بالسماع! بل لا بد من دليل آخر على تلك الدعوى من منطوق كلامهم، وإلا فمن السهل أن يقال: لعل المتقدم وقع له من تصريح هذا المدلس ما لم يقع لغيره، وتلك حقيقة لا يستطيع أحد نُكرانها إلا بتكلف لا يرضي، ولأجل ذلك قال ابن حبان في (مقدمة صحيحه): (فإذا صح عندي خبر من رواية مدلس أنه بين السماع فيه لا أبالي أن أذكره من غير بيان السماع في خبره بعد صحته عندي من طريق آخر). وهذا كله قائم على قصبة كون هذا الناقد المتقدم كان يرى من هذا المدلس أن حديثه ليس بحجة حتى يذكر فيه سماعًا!

أما عن مقولة مغيرة بن مقسم بشأن تدليس الأعمش: فانا أراها ظاهرة على كثرة تدليسه، ونحوها قول شعبة: (كفيتكم تدليس ثلاثة) وذكر منهم أبا محمد الأسدي؟ وليست هذه أدلتنا على كثرة تدليس الأعمش! بل هناك جملة غيرها ذكرناها في غير هذا المكان. والله المستعان.

بارك الله فيك أخي في الله , ولو تأمل الباحث بإنصاف لكلام الائمة لوجدهم لا يقولون ((تجنب عنعنة فلان ... )) لكن يقولون ((تجنب تدليس فلان ... )) والفرق بين العبارتين كما بين المشرق و المغرب , وقوله كفيتكم تدليس ثلاث لا دليل فيه على كثرة التدليس إنما هذا ظن من أطلق لظنه العنان ,

و هناك أمور تختلف من راوٍ لآخر يعرف بها هل دلس أم لم يدلس وخذ على سبيل المثال قول شعبة: ((و كان أبو إسحاق إذا أخبرنى عن رجل قلت له: هذا أكبر منك؟ فإن قال: نعم، علمت أنه لقى، و إن قال: أنا أكبر منه، تركته)) فهذا يدل على أن شعبة يعرف تدليس ابي اسحاق بروايته عمن هو أصغر منه ولم يقل: ((كان أبو إسحاق إذا أخبرنى عن رجل قلت له: هل سمعته منه؟ فإن قال: نعم، أخذته، و إن قال: لا، تركته!!)) , ولكنني لا أقول بهذا على الاطلاق إنما أريد أن أبين أن الامور ليست بالسهولة التي يتصورها بعض الاخوة فلا يقيم لحديث الاعمش ولا ابي اسحاق و قتادة و هشيم وحميد وغيرهم من الحفاظ الثقات الكبار وزنا , فتراه يرد كل عنعناتهم بلا بحث , وقد علمتَ أن صيغ الاداء كثيرا ما تكون من تصرف بعض تلاميذ هؤلاء وانظر إلى ما قلتَه: ((وما يدري المعترض - مثلا - أن الأعمش لم يذكر سماعه فيما وقع لمن صحح حديثه من كل متقدم حاذق؟ وعدم الوجدان عند المتأخر

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير