4 - الأحاديث الواردة في تخصيص أيام بالصيام دون غيرها، كصيام الاثنين والخميس وصيام يوم السبت، والأحد، وصيام الأيام البيض. وهذه الأحاديث مشهورة عند العلماء
فهل عساك أخي أبو مصعب – وفقك الله- ستنتقد الباجي – وهو عالم كبير مجتهد- أيضا على تضعيفه لهذه الأحاديث التي إما في أحد الصحيحين أو هي مشهورة، وكثيرة في كتب السنن؟ وهل ستقول كما قلت في هذا الحديث أنه لم يسبقه إلي هذا القول من تكلم في بعض أحاديث الصحيحين كالدارقطني وغيره؟ وماذا عساك أن تقول فيه من الأوصاف وقتئذ!!
الله أكبر، أخي أبو مصعب، من نحن مع هؤلاء الأفذاذ؟ لهم عيون غير عيوننا، ولهم قلوب غير قلوبنا؟ ولا يخفى عليك أخي أبو مصعب – وفقك الله- أن ميزان النقد مختلف بين العلماء فترى الحديث يصححه بعضهم ويضعفه غيرهم، وكذلك أحوالهم في الرجال، فترى الرجل يوثقه بعضهم ويضعفه غيرهم!! ولهذا تراهم لا يقطعون في القول، بل يقولون مثلا: عندي، أو في نقدي ..... إلى غير ذلك من العبارات، وهذا أمر مرجعه الاجتهاد.
فهل حاولت أخي أبو مصعب – وفقك الله- معرفة الميزان الذي يزن به الباجي الرجال. وأنت تعلم أن أحوال الرجال ليست تقليدا كما نفعل نحن اليوم، ننظر إلى ما قاله النقاد ونصدر الأحكام بناء على ذلك، بل هو أمر يدرك بالاجتهاد، وليس كل واحد يدركه إلا من رزقه الله ذوقا وفهما كبيرين. وأظن أننا حتما لسنا منهم.
ولهذا، فبالنسبة إلي من علم مذهب الباجي، لا غرابة أن يجد له قولا في أحاديث وردت في أحد الصحيحين، وإن كنت أشاطرك أن القول في هذا الحديث المتفق عليه له لون آخر. وسيأتي الحديث عنه في حينه إن شاء الله.
ثالثا: - تحقيق قول الباجي في سعد بن إبراهيم (وهو بيت القصيد):-
أخي – وفقك الله- محصلة قول الباجي في سعد بن إبراهيم أنه عدل ثقة ديَّن موصوف بالخير والصلاح، لا شك في ذلك ولا ريب، والباجي لم يضطرب قوله في سعد بن إبراهيم كما ادعيت، ولم يخلط، بل الخلط وقع منك، وسأبين لك ذلك:-
أخي الشيخ عدلان اعلم – وفقك الله-، أن الباجي مالكي يقتدي بإمام مذهبه، ولكنه غير متعصب له، فإن جادلت في هذا رجعنا إليه، وأثبتت لك بما لا يدع مجالا للشك أنه غير متعصب، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، إذا كنت تلومه على تأثره بآراء إمام مذهبه فاذكر لي عالما واحدا من العلماء ينتمي لمذهب من المذاهب، ثم لم يتأثر بإمام مذهبه، وقد ألف ابن حجر كتابه الذب عن مسند الإمام الشافعي، وقال هذه عصبية للسنة، فما بالك بموطأ مالك الذي تعلم ما قاله الشافعي نفسه فيه. فالتعصب شيء والتأثر شيء آخر.
وغاية الأمر، أن الباجي وجد الإمام مالك لم يرو عن سعد بن إبراهيم – رضي الله عنه- في موطئه، وهو أصح كتاب وضعه الإمام مالك، وأصح كتاب نقلت فيه أقواله، فإذا وجدتَ قولا له في الموطأ، فاعلم أنه قوله حقا، بخلاف ما نقل عنه في الكتب الأخرى، فقد ينقل عنه القول ولا يصح عنه، ومعلوم أن الإمام مالك لم يُثبت في موطئه إلا من كان من أهل هذا الشأن (العلم بالحديث مع العدالة)، على ما صرح به الإمام مالك طبعا، وسؤالي لك: هل أثبت مالك -رحمه الله - سعد بن إبراهيم –رحمه الله- في موطئه؟ وارجع لما قاله ابن القطان في قصة عدم إثبات مالك لسعد بن إبراهيم في موطئه، راجع ذلك، ربما تجده في علل الترمذي أو علل الدارقطني.
وهنا يُوجّه لك السؤال التالي: إذا صح كما ذكر بعض العلماء، ومنهم على ما أعتقد ابن حجر - رحمه الله - أن الإمام مالك روى عنه بواسطة، فلماذا لم يرو عنه مباشرة، وهو قرينه ومن أهل بلده؟ ولماذا لم نر هذه الرواية في الموطأ؟ هذا شيء عجيب؟
والعلماء إن لم نقل كلهم، فجلهم يقولون: لم يرو عنه، وعللوا ذلك بعلل، وقد ذكرت بعضا منها، حيث أنه وعظه في نفسه فوجد منه الإمام مالك، أو أنه طعن في نسبه، وذكرت أن العلماء لا يراعون لعدم رواية مالك عنه اهتماما، وأن أحمد بن حنبل قال ما قال في ذلك وسنعود للحديث عن ذلك، ولكن المهم أن تتفق معي الآن أن الإمام مالك – رحمه الله- بالجملة لا يرو عن سعد بن إبراهيم – رحمه الله-، أمّا لماذا لم يرو عنه؟ فسنتكلم عن ذلك لاحقا. ولكن على جهة الإجمال، ذكر الإمام مالك أربعة أسباب تمنع الأخذ عن الراوي، فقد بين مالك -كما
¥