و يظهرُ لي أنّ من يُقدِّمون رواية ورش عن نافع يحتجّون - فضلاً عن كونها قراءة أهل المدينة - بأنّها أقرب الروايات الثّابتة عندنا إلى لغة قريش، لا سيّما طريق الأصبهاني عن ورش (و بعض أهل بلدنا يقرؤون بهذه الطريق للسبب نفسه) باعتبار أنّ من سمات لغة قريش عامّة ترك الهمز و ترك الإمالة:
أمّا عن الأوّل فقد قال الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور في المقدمة السادسة في القراءات من تفسيره المعروف " التّحرير و التنوير " (ج1 - ص ص 61/ 62 - ط. الدار التونسية للنشر 1984):"ثمّ إنّ القراءات العشر الصّحيحة المتواترة قد تتفاوت بما يشتمل عليه بعضها من خصوصيّات البلاغة أو الفصاحة أو كثرة المعاني أو الشّهرة، و هو تمايُزٌ متقارب، و قَلَّ أن يُكسِب إحدى القراءات في تلك الآية رُجحانًا، على أنّ كثيرًا من العلماء كان لا يرى مانعًا من ترجيح قراءة على غيرها، و من هؤلاء الإمام محمد بن جرير الطبري، و العلامة الزمخشري و في أكثر ما رُجح به نظر سنذكره في مواضعه، و قد سُئِل ابن رشد عمّا يقع في كتب المفسرين و المعربين من اختيار إحدى القراءتين المتواترتين و قولهم هذه القراءةُ أحسن: أ ذاك صحيحٌ أم لا؟ فأجاب: أمّا ما سألتَ عنه ممّا يقع في كتب المفسرين و المعربين من تحسين بعض القراءات و اختيارها على بعض لكونها أظهر من جهة الإعراب، و أصحّ في النّقل، و أيْسر في اللّفظ فلا يُنكَرُ ذلك، كرواية ورش التي اختارها الشيوخ المتقدّمون عندنا (أي بالأندلس) فكان الإمامُ في الجامع لا يقرأ إلاّ بها لما فيها من تسهيل النّبرات و ترك تحقيقها في جميع المواضع، و قد تُؤُوِّلَ ذلك فيما رُويَ عن مالك من كراهية النّبر في القرآن في الصّلاة.
و في كتاب الصّلاة الأوّل من العُتْبيّة: سُئِلَ مالك عن النّبر في القرآن فقال: إنّي لأكرهُه و ما يُعجِبُني ذلك، قال ابن رُشد في البيان يعني بالنّبر ههنا إظهارَ الهمزة في كلّ موضعٍ على الأصل فكَرِهَ ذلك و استحبّ فيه التّسهيل على رواية ورش، لما جاء من أنّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم تكن لُغته الهمز (أي إظهار الهمز في الكلمات المهموزة بل كان ينطقُ بالهمزة مسهّلة إلى أحرف علّةٍ من جنس حركتها، مثل ياجوج و ماجوج بالألف دون الهمز، و مثل الذّيب في الذّئب و مثل مومن في مؤمن).ثمّ قال: و لهذا المعنى كان العمل جاريًا في قرطبةَ قديمًا أن لا يقرأ الإمام بالجامع في الصّلاة إلاّ برواية ورش، و إنّما تغيّر ذلك و تُركت المحافظة عليه منذ زمن قريب ". اهـ
و قال الإمام السيوطي في "الإتقان" (ج1 - ص 201 - ط1.دار الكتب العلمية ببيروت 2000): "اعلم أنّ الهمز لمّا كان أثقل الحروف نطقًا، و أبعدها مخرجا، تنوّع العرب في تخفيفه بأنواع التخفيف، و كانت قريش و أهل الحجاز أكثرهم له تخفيفا، و لذلك أكثر ما يرد تخفيفه من طرقهم، كابن كثير من رواية ابن فُليح، و كنافع من رواية ورش، و كأبي عمرو، فإنّ مادّة قراءته عن أهل الحجاز ... ".اهـ
و أمّا عن الثّاني، أي الإمالة، فقد ذكر السيوطي (في "الإتقان - ج1 - ص 183):" و في جمال القرّاء عن صفوان ابن عسَّال: أنّه سمع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يقرأ: {يا يحيى} (مريم - 12). فقيل له: يا رسول الله، تُميلُ و ليْس هي لغة قريش؟ فقال: هي لغة الأخوال بني سعد ".اهـ
و الله تعالى أعلم بالصّواب.
ـ[المتولى]ــــــــ[04 - 06 - 10, 03:45 ص]ـ
لو قسنا الكلام كما نقله الاخوة لكانت قراءة النبى صلى الله عليه وسلم هى ما يرويه ابو جعفر
فأكثر القراء ابدالا للهمزات هما السوسى وابو جعفر ويزيد ابو جعفر على السوسى وورش بأنه لا يميل ولا يقلل
فالاولى ترك ما يذهب اليه الاخوة ولا نقول الا كما قال من قبلنا: " كل من عند ربنا " والا دخل بعد ذلك من يطعن فى القراءات و يقول هذه قراءة كان النبى صلى الله عليه و سلم قرأ بها و تلك لم يقرأ بها
والله تعالى اعلى و اعلم
ـ[حسين بن محمد]ــــــــ[04 - 06 - 10, 05:50 م]ـ
الكلام في ذلك من جنس الكلام في لغة الناس بالدار الآخرة.
http://www.islamqa.com/ar/ref/83262
ـ[لطفي مصطفى الحسيني]ــــــــ[23 - 07 - 10, 07:38 م]ـ
¥