وتفسير آخر أصدرته الوزارة نفسها في مصر، يبدو أنه كان في عهد وزارة محمد الأحمدي أبو النور، فقد صدر تحت إشرافه، وطُبع بعنوان: "المنتخب في تفسير القرآن الكريم"، ووصفه بقوله: "كتب بأسلوب علمي، يعتمد على أصول التفسير وقواعده"، وذكرت لجنة القرآن والسنة بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية: أن المجلس "شكل لجانًا علمية من جهابذة العلماء، وفطاحل الباحثين والمفكرين؛ ليتوفروا على تأليف هذا التفسير بأسلوب عصري، سهل مبسط، واضح العبارة، وجيز لا يَخِلُّ ولا يُمَلُّ، بعيد عن الخلافات المذهبية، والمصطلحات الفنية، والحشو والتعقيدات اللفظية؛ حتى يكون على حالة مرْضية من الصلاحية لترجمته".
ويبدو أنه لاقى قبولاً، فقد طبع طبعات عديدة، رأيت منها الطبعة الثانيةَ عشرةَ، الصادرة سنة 1406هـ.
ولا شكَّ أنه عمل طيب، ولكن لو وجِّه هذا الجهد إلى تَتَبُّع ما هو صحيح من التفسير، لكان أفضل.
وهناك توجيه آخر في إمكانية القيام بهذا العمل، فلا يُشْترط أن تكون اللجنة قائمة في مكان معين، وتتابع جهدها لسنوات؛ بل يمكن أن يوزَّع العمل على المتخصصين في جهات عملهم، وقد قام أستاذ التفسير القدير مصطفى مسلم بعمل شبيه بهذا، فقد اقترح وأشرف من خلال اهتمامه بالتفسير الموضوعي وتدريسه لسنوات، على تفسير موضوعي للقرآن الكريم بأسلوب علمي، وذلك من خلال توزيع هذا العمل على أساتذة جامعيين في أكثر من دولة، وتجمَّعت لديه أعمالهم، وقام بمراجعتها أساتذة متخصصون، ويبدو أنه تحت الطبع، وأنا أكتب هذا المقال (أواخر 1429هـ) أو أنه صدر، وذكر أن هذا تفسير موضوعي لسور القرآن، وأنه في المرحلة القادمة سيكون هناك تفسير موضوعيٌّ آخر شامل للقرآن الكريم، وليس لكل سورة على حدة، وكان ذلك بتمويل من كلية الشريعة بجامعة الشارقة.
ومع جلالة هذا العمل وما يليه، وفائدته التي لا تُنْكَر، إلا أن هذا الجُهد لو وجِّه إلى عمل تفسير صحيح للقرآن الكريم، لكان أفضل، وأكثرَ قبولاً وانتشارًا، وأكثر فائدة بالتأكيد، فإنه يعتمد الأهم، ثم يعمل في المهم وما يليه، والتفسير الموضوعي وغيره يجب أن يكون قائمًا على أسس صحيحة، فما الذي يختاره الأساتذة الذين وضعوا هذا التفسير من بين التفاسير، وكيف عرفوا أن ما اختاروه هو التفسير الصحيح المختار؟ فلا بد من معرفة الصحيح أولاً، ثم التفنن في تبويبه.
أما بالنسبة للأعمال الفردية – أعني: ما اهتم منها بالصحيح منه فقط - فلا أعرف سوى عمل الأستاذ القدير حكمت بشير ياسين، أستاذ التفسير بالمدينة المنورة، الذي علمت منه أولاً أنه يجمع ما ورد من روايات عن رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - في التفسير، ولعله الصحيحُ منها، واقترحت عليه أن يسميه "تفسير رسول الله - صلى الله عليه وسلم"، لكن يبدو أنه توسَّع في عمله، فجمع إليه الرواياتِ الصحيحةَ للصحابة، ومَن بعدَهم مِن التابعين في التفسير، وصدر عمله المبارك هذا بعنوان: "التفسير الصحيح: موسوعة الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور"، الذي صدر سنة 1420هـ في أربعة أجزاء، ثم اختصره وصدر بعنوان: "التفسير المختصر الصحيح من موسوعة الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور"، الذي صدر سنة 1426هـ في 640 ص، لكن يبدو أنه نُقد في عمله هذا من قِبَل أساتذة الحديث الشريف، فالأمر كله يتوقف على المهارة في التخريج، والتمكن منه، بعد جمع الروايات، والتخريج ليس سهلاً.
هذا؛ ويمكن لمن يعملون في المشروع المقترَح المبارك أن يستفيدوا كثيرًا من التفاسير التالية: تفسير ابن جرير الطبري، ثم تفسير ابن كثير، ثم "الدر المنثور في التفسير بالمأثور" للسيوطي، الذي صدر بتحقيق جيِّد كما ذكرت، وكذلك من رسائلَ جامعيةٍ عديدة، قام أصحابها بتحقيق وتوثيق وتخريج أقوال السلف في التفسير، وهي موزعة ومشتتة في مباحث وموضوعات عدة، بين الحديث والتفسير وغيره.
وأدعو إلى مراجعة العمل الذي قام به الأستاذ حكمت بشير، من قِبل اللجنة العلمية المكلَّفة بالمشروع المقترَح، فإذا وافقت عليه، فإنه يمكن اعتماده والعمل على نشره عالميًّا، أو تعديل ما يلزم منه، أو الزيادة عليه، وقد يعتبر هذا العمل الجليل الرائد في مجاله، والعمل الجماعي يفضل على الفردي هنا، ففرق بين عقل وعقول تجتمع على التفسير، وكتاب الله أعظم من أن يحيط بعلمه شخص واحد؛ ولذلك لا يخلو تفسيره من نظرات.
إن كتاب الله - تعالى - يجب أن يكون أولَ اهتمام المسلمين وعلمائهم ومفسريهم، وإن الاجتماع على عمل تفسير صحيح له هو أهم ما يقومون به، والعزيمة تأتي بعد النية الصادقة، والإخلاص في العمل، والله الهادي.
http://www.alukah.net/articles/1/4974.aspx