أما في مجال العقيدة واختلاف بعض المسلمين في تفسير آيات تتعلق بها؛ مثل الأسماء والصفات، فإما أن تبقى على ظاهرها، ويذكر فيها ما ذكره معْظم المفسرين، أو يورد قول الصحابة والتابعين فيها وإن بدا فيها الاختلاف؛ فإن اطلاع القارئ على ذلك يخفف عليه ما يسمعه من تشديد في الأمر، والاختلاف وارد، ولا يمكن إزالته كله، ومن المؤسف ألا يطيق بعضهم إيراد وجوه من التفسير أو التأويل، التي صحت عن ابن عباس، أو غيره من الصحابة - رضوان الله عليهم - لمجرد أنها لا توافق مذهبهم العقدي! فالصحيح يُذكر، سواء أُخِذَ به أم لم يؤخَذ.
والآيات المتشابهات يقال فيها ما ذُكر أيضًا، وإذا فسِّرت بما ذكره أكثر المفسرين، فإنه يذكر للقارئ أن تفسيرها هذا ظني، وأنها من المتشابِه الذي استأثر الله بعلمه، وكذلك الأمر في الحروف المقطَّعة، التي مال معظم المفسرين – وخاصة في عصرنا - إلى أنها تدل على أن القرآن مكون من هذه الحروف وأمثالها، التي يكتبها ويتكلم بها الناس، ومع ذلك فلا يستطيع أحد أن يأتي بمثله، دليلاً على إعجازه، وهو ظنيٌّ كما لا يخفى، فلم يرد في تفسيرها حديث صحيح.
والأفضل أن يكون التفسير الصحيح المقترح في حجمين: مبسوط، ووسيط أو موجز، يكون الأول للعلماء، وطلبة العلم، والمثقفين المتعلمين، والآخر عام للجميع، فيكون ملائمًا لهذا العصر، سهلاً واضحًا في كلماته، ومعانيه، ومدلولاته؛ ليناسب أهلَه ولغتهم ومستواهم، الذين يغلب عليهم قلة العلم بالإسلام.
ونخلص إلى أن التفسير الصحيح يكون:
- بتفسير القرآن بالقرآن.
- وتفسير القرآن بالسنة.
- وتفسير القرآن بأقوال الصحابة، وخاصة ابن عباس - رضي الله عنهما.
- وبتفسير التابعين تلامذة الصحابة - رضي الله عنهم.
- وما لم يفسَّر مما سبق يؤخذ ما اتفق عليه المفسرون، أو ما كان عليه أكثرهم، بعناية وتحقيق، فلا بأس من الاستدراك والتعقيب، وخاصة ما يتعلق بالأمور العلمية وما إليها، فإن المفسرين ينقل بعضهم من بعض، حتى يظن أحيانًا أنه قول جمهورهم، فليسوا جميعًا عارفين بموضوعات القرآن كلها، فينقلون ما قصر فَهْمُهم فيه، وما لم يبلغه علمهم منه، ربما هكذا دون تمحيص، مثل القول بأن ذا القرنين هو الإسكندر المقدوني، فقد قرأت في تفسيرٍ حديث أنه قول جمهور المفسرين – أي: عامتهم - ولهذا أورده هو أيضًا على أنه هو المعتمد، وهو قول لا يُعتمد البتة، فالمقدوني من تلامذة أرسطو الفيلسوف اليوناني المعروف، وتذكر الكتب الأجنبية أنه كان يعبد الأصنام، ويذبح لها القرابين، وذو القرنين قبله بقرون، حاكم مؤمن صالح.
- وآيات الأحكام يختار الأصح مما اختلف فيه الفقهاء، ويؤخذ بعين الاعتبار اختلافات الفقهاء، ويبيَّن ذلك في التفسير الكبير، مراعاة للمذاهب الإسلامية المنتشرة في العالم.
اللجنة المكلفة بالتفسير، والأمل في صدور تفسير صحيح للقرآن الكريم:
إن اللجنة المكلَّفة بالتفسير تكون مختارةً من تخصصات شتى في العلوم الإسلامية كما قلنا، وأبرزها التفسير والعلوم المتصلة بالقرآن مباشرة، وهم كثر بحمد الله، ويشار إليهم بالبنان من خلال مؤلفاتهم، ودروسهم، وخبراتهم الطويلة في هذا، ولا يُكْتفى بشخص واحد من كل تخصص؛ بل يكونون عدة أشخاص؛ حتى لا يطغى عليه صبغة العمل الفردي أو القريب منه.
والتفسير المأمول صدورُه من هذه اللجنة هو أن يكون صحيحًا، غير مخالف لما اتفق عليه أهل السنة والجماعة، وتضع هذه اللجنة الأسس والشروط والقواعد الملائمة لذلك، وقد أشير إلى بعضها.
وقد يستغرب القارئ ألا تكون هناك جهة قد اضطلعت بهذا الأمر حتى الآن، على الرغم من أهمية هذا التفسير في حياة المسلمين كلهم!
أقول: لا شك أن جهاتٍ قامت بقريب من هذا الأمر المقترح، وهي لا تَقْدم على عمل تفسير إلا بهدف أن يكون صحيحًا، لكنها قد لا تستطيع أن تسمِّيَه بهذا الاسم؛ لما ذكرنا من الاختلافات الواردة في التفاسير، ولم أطَّلع على التفاسير التي كتبت في اللغات الأخرى، واطلعت على مجموعة طيبة منها بالعربية، وليس كلها، من ذلك تفسير موجَز أصدرته وزارة الأوقاف بالسعودية، وهو مختصر جدًّا.
¥