نجد يُقومون برحلات بين شتى أنحاء الجزيرة العربية ويقومون بأعمال التدريس والتعليم والتأليف. ومن هؤلاء الذين قاسوا شدة ومحنة الشيخ عبدالله بن أحمد بن عضيب العمروي التميمي (1070 - 1160هـ) , والذي وصل إلى بلدة عنيزة سنة 1110هـ. فأوقف له بعض الراغبين في العلم والخير منزله ليدرس فيه. فنشر العلم وحث الناس على التعليم ورغبهم فيه. وأعان الطلبة فيما يقدر عليه من مال وكتب وورق. وصار يشير على كل واحد من تلاميذه بكتابة كتاب في الفقه أو التفسير أو غيرهما ويبدؤه له, ثم يساعده عليه, حتى صار للفقه على يد هذا العالم الجليل سوق رائجة , وتواجد منه غريبه, واستحصل بسببه على مكتبة كبيرة. فقد كان كثير المداومة على النسخ والكتابة. حتى إنه كتب بخطه الحسن الفائق في الضبط ما لا يحصى من كتب التفسير والحديث والفقه كبيرها وصغيرها, بحيث لم يعلم ولم يسمع منذ عصور من ضاهاه, أو قاربه في كثرة الكتابة. ونفع الله به أهل عنيزة نفعًا ظاهرًا وكان مواظبًا على التدريس والتعليم, رغم الحوادث والقلاقل والفقر المدقع الذي وصل فيه إلى غايته, فإنه في سنة 1110هـ حفر بئرًا في بلدة المذنب تسمى حاليًّا (القفيفة) وكان لحفره لتلك البئر قصة يحسن إيرادها, فإنه كان يحفر البئر بنفسه. وكان يشارط الصبيان لكي يرفعوا له التراب كل زنبيل بتمرة, وكان يضع التمر عنده في أسفل البئر, ويملأ الزنبيل ترابًا, ثم يضع عليه تمرة, ثم يأمر الصبيان برفع الزنبيل فيرفعوه فيأخذوا ما عليه من تمر وهكذا. واتفق ذات مرة أن سقطت من أعلى الزنبيل تمرة وهو لا يعلم, ولما جذب الصبية الزنبيل وجدوا أن ليس عليه تمر فكبوا عليه التراب وهربوا وتركوه. هذه هو أقل دليل على ما عاناه هذا العالم الجليل من فقر مدقع. ومع ذلك فقد كان شديد الحرص على جمع الكتب, كثير الشراء لها, والنسخ لمحتوياتها. وكان يرسل في طلبها إلى البلدان الأخرى. وإذا كان الطريق مخوفًا أرسل فارسًا من فرسان الأمير يأتي إليه بالكتاب المطلوب فينسخ الكتاب هو أو أحد تلاميذه. ثم يعيد الكتاب إلى صاحبه, هكذا كانت همته ورغبته, وكان لا يصرفه عن هذه الرغبة صارف. وكان يبذل في جمع الكتب الأثمان الكثيرة رغم فقره, وكان المسافرون من أهل نجد إلى الشام أو بغداد وغيرها يتقصدون شراء الكتب ثم يهدونها إليه, فلا يوجد تحفة أعظم منها. حتى إنه جمع من هذه الكتب الجليلة شيئًا عظيمًا. وكان كل كتاب يحصل عليه يجري عليه تعليقات وهوامش لا تخلو من فائدة. ولكن مع الأسف تفرقت كتبه على كثرتها بعد وفاته وتشتتت؛ هذا مثال من أمثلة كثيرة لحال العلماء في نجد وفقرهم مع إصرارهم الشديد على الدرس والتدريس.
وقد اطلع الشيخ محمد بن عبدالله بن حميد صاحب السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة على بعض الكتب التي خطها الشيخ عبدالله بن أحمد ابن عضيب بخط يده, وذكر أن منها تفسير البغوي والإتقان والقاموس المحيط وقواعد ابن رجب وغاية المنتهى وشرح الإقناع ومتنه وشرح المنتهى ومتنه وحاشية الإقناع وحاشية المنتهى.
ولم يقتصر العلماء على الدرس والتدريس في ديارهم بل بادروا إلى الرحلات وجلب المؤلفات. ولما رأى بعض العلماء الذين لهم جدارة ومعرفة أن العلم قد بدأ في الانتشار في شتى الأنحاء النجدية. إضافة إلى بعدها عن المصدر الفقهي في كل من الشام والعراق ومصر على الرغم من الرحلات المتوالية لهذه البلاد ابتداء من القرن التاسع حتى انتشرت الدعوة الإصلاحية في نجد بفضل رائدها الشيخ محمد بن عبدالوهاب 1115 - 1206هـ.
وقد أخذوا على عاتقهم القيام بتأليف كتب فقهية إضافة إلى قيامهم بأعمال التدريس والقضاء والإمامة والحسبة وغيرها من الوظائف مع صعوبة الحال في البلاد, رغم الفقر المدقع والحروب المتوالية وقد زاد ما نعرفه من هذه المؤلفات على خمسة وعشرين كتابًا. وفيما يلي بيان تفصيلي لها حسب الحروف الأبجدية:
1 – إبداء المجهود في جواب سؤال ابن داوود. تأليف الشيخ عبد الوهاب بن محمد بن
¥