ـ[أبو أحمد الجزائري الأثري]ــــــــ[25 - 03 - 03, 12:18 م]ـ
ثانيا: ما يتعلق بإثبات نسبة الكتاب وما جاء في مقدمة المحقق.
نسبة الكتاب لأبي حاتم الرازي:
كان من المفترض أن أبدأ بهذا المبحث، فأول ما يتعين على المحقق فعله عند التحقيق هو إثبات نسبة الكتاب لمؤلِّفه، فإذا كان هناك كلام وخلاف في نسبة الكتاب فيجب عليه استيفاء هذا المبحث، متجردا عن العواطف والأحكام المسبقة، بحيث لا يدع مجالا لمستدرِكٍ عليه، سواء كانت النتيجة ثبوت النسبة أم عدمها، فإن المسألة دينٌ يتعلق به نسبة كلامٍ للعلماء وغيرهم.
وهذا الكتاب في نسبته للإمام أبي حاتم نظرٌ كبير، إذ لم يُذكر للإمام كتابٌ في هذا فيما فتشت، فلا ذكره ابنه في ترجمة أبيه المطولة من مقدمة الجرح والتعديل، ولا ذكره جميع من وقفتُ عليه ممن ترجم لأبي حاتم (رغم اهتمامي الخاص بترجمته)، وليس للكتاب ذكر في كتب الرواية، ولا في التقييد لابن نقطة وذيله للفاسي، ولا فهارس ومعاجم مرويات الحفاظ التي طالعتها، ولا ذكره شيخ الإسلام التقي ابن تيمية عند سرده لكتب الزهد عند المحدثين، ولا أصحاب الكتب الجامعة للكتب مثل الفهرست للنديم (وليس ابن النديم كما ذكر المحقق! ص16)، وكشف الظنون، وذيوله، وأبجد العلوم، والرسالة المستطرفة.
إنما ذُكر لابنه عبد الرحمن تصنيفٌ في الزهد، كما في التدوين للرافعي (1/ 212 و499 و2/ 279 و387 و4/ 121) وأبجد العلوم للقَنَّوْجي (3/ 100) وغيرهما، وليس هو هذا الجزء المحقق (!) بالطبع، وأراه غير زهد الثمانية من التابعين بروايته، وهو مطبوع.
فهذا يورث شكا كبيرا بنسبة الكتاب لأبي حاتم، ومع أن المفترض من المحقق أن يتوسع هو في مناقشة هذا إلا أنه تجاهله واكتفى بالقول على استحياء قاصر (ص16): "ذكر بعض المؤلفين في المؤلِّفين والمؤلَّفات أشياء نسبوها لأبي حاتم الرازي .. ولم يذكروا فيما نسبوا إلى الإمام أبي حاتم كتاب الزهد الذي في أيدينا - مع قدم النسخة وتاريخ سماعها - إلا ممن فهرس الظاهرية بمحتوياتها الثمينة".
قلت: ومتى كانت فهارس المكتبات تثبت بها أنساب الكتب؟!
هل مَن هذا عِلْمُه بمبادئ علم المخطوطات - الذي لا يوجد في نزهة النظر! - يستحق حثا متواصلا على إخراج المخطوطات؟
مناقشة إسناد الكتاب:
إن ما سبق لوحده كافٍ للتشكيك بنسبة الكتاب لأبي حاتم، كيف وقد جاء الكتاب بسند مطعون فيه؟
فقد جاء الإسناد على طرة المخطوط من رواية أبي طاهر الحنائي، أخبرنا القاضي أبوالحسن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن أحمد الحباري، أخبرنا والدي بقراءتي عليه سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة، أخبرنا أبوالحسن علي بن إبراهيم بن سلمة القطان قراءة عليه، حدثنا أبوحاتم.
وزعم المحقق (ص16) أنه يحصل الجزم (!) بنسبة الكتاب لأبي حاتم اعتمادا على أمور، أولها: "إسناد الكتاب المتصل بالرواة المشهورين بعامة، وبرواية كل منهم عن الشيخ الذي فوقه خاصة .. "!
أقول: ليس مجرد ورود اسم على الكتاب وإسناد قاطعا في ثبوت النسبة لصاحبه.
وإذا كان المحقق يحتج بإثبات صحة الكتاب بمجرد (وجود) مخطوط للكتاب وعليه سند، فيلزمه تصحيح نسبة كتب كثيرة عرفها الحفاظ، مثل كتاب الفقه الأكبر المنسوب لأبي حنيفة، وكتاب السر المنسوب لإمامنا مالك، ولبعضها نسخ خطية، ولكن كيف تعامل معها الحفاظ؟
وللعلم، فإن إثبات نسبة الكتاب إلى مؤلفه ليس من مباحث (نزهة النظر) التي قرأها المحقق على شيخه الإدلبي، فحثه بعدها حثا متواصلا على البدء في إخراج المخطوطات!!
قلت: وعلى كل حال، فإن الناظر في الإسناد لا يرى من المشاهير المزعومين سوى الحنائي وأبي الحسن القطان!
أما عبد العزيز بن عبد الرحمن الحباري فترجمته عزيزة، ونقل ابن عساكر عن غيث بن علي قوله: "ما علمت من حاله إلا خيرا"، فهذا لا يُقال عنه إنه مشهور!
فائدة: ومن شاء أن يشاهد مثالا في البُعد عن فن المحدِّثين في الترجمة فلينظر إلى كيفية ترجمة المحقق لهذا الراوي (ص24)!
أما أبوه الذي زعم أنه مشهور فلن يجد له ترجمة أصيلة إلا في تاريخ بغداد، فماذا قال فيه الخطيب؟
مناقشة حال المتفرد برواية الكتاب:
¥