ودعوى متهورة أخرى!
تبين مقدار المحقق في العلم عامة، وفي دقائقه كالاستقراء خاصة، ولكنه لا يستحي فيقول (ص9): "ومما يؤثر من نصيحة أبي حاتم لطلبة الحديث قوله: اكتب أحسن ما تسمع، واحفظ أحسن ما تكتب، وذاكر بأحسن ما تحفظ.
وهذا كلام دقيق المعنى التزم به أبوحاتم كما يُستقرأ [الكلام ما يزال للمحقق!] من حاله مع شيوخه ومن أدرك من نقلة الأخبار، فقد كانوا عنده على أربعة أضرب (!) نجعلهم في أربع حلقات (!) بعضهما يحتوي في بعض [تعبير عجيب!]، فالأولى أوسعها وتشتمل على ما [كذا! ولعله يريد: من] رأى أو أدرك أبوحاتم، وداخلها حلقة ثانية يخرج منها من لم يسمع منه أبوحاتم (!) وتقتصر على الذين سمع منهم إذ التقى بشيوخ لم يجالسهم (!) لبدعتهم أو لضعفهم أو نحو ذلك (!!) وربما لم يتيسر له السماع منهم إن كانوا مقبولين (!)، وداخل الثانية حلقة ثالثة يخرج منها من لم يكتب عنه أبوحاتم [قلت: التفريق بين حلقة المحقق هذه والتي قبلها من الفلسفة] إذ ربما لقي الشيخ فلم يجد عنده ما يستحق كتابته عنه (!) ويدخل فيها من كتب عنهم، ربما كتب عن بعض هؤلاء اعتبارا وربما للحفظ والرواية [ماذا بقي؟]، وداخل الحلقة الثالثة حلقة رابعة يخرج منها من روى عنه، إذ هو مقبول أو غير مطعون فيه بما يرد روايته (!)، ومن أهل هذه الحلقة فئة خاصة [ما المانع أن يجعلها حلقة خاصة ضمن تلك الحلقات] من شيوخه هي التي عنى حديثها بقوله: وذاكر بأحسن ما تحفظ (!) وأما بقية أهل هذه الحلقة فحديثهم المعني بقوله: واحفظ أحسن ما تكتب (!)، وفي أهل هذه الحلقة النخبة من شيوخ أبي حاتم ممن تغلب على حالهم صفتا العدالة والضبط. وأما أهل الحلقة الثالثة ممن كتب عنهم فحديثهم المعني بقوله: اكتب أحسن ما تسمع والله أعلم". انتهى كلامه بطوله.
قلت: وهذا محض سفسطة ودعوى وتخبيط، لو أتى شبه هذا الكلام من إمام لعُدَّ لُغزا مطلسما، فكيف بدعيٍّ غريب عن الفن؟ وقد أبان قائله أنه لا يفهم، فالحفاظ إذا ذاكروا بأحسن ما يحفظون لا يقصدون الأصح والأحسن ثبوتا كما فهم المحقق الفاضل! وعذره أن نزهة النظر لم تتطرق لشرح هذا!
فبنى على فهمه الخاص لعبارةٍ عابرةٍ غرائبَ الغرائب، ومن تكلم في غير فنه أتى بالعجائب!
وأخرى!
قال المحقق (ص13): "والذي في خاطري أن الكتاب في أصله أكبر من أن يكون هذا هو محتواه فقط، بل هو أوسع من ذلك بدليل ما كتب على غلاف المخطوط: "فيه من كتاب الزهد عن أبي حاتم .. ) "
قلت: ذاك بعيد، فما جاء على طرة الجزء "فيه من الزهد" له أسباب:
أولا: أن أبا حاتم لا يُعلم أنه ألف كتابا في الزهد حتى يسميه ويُنقل بهذا الاسم!
ثانيا: لذلك فالتسمية ممن دون الحافظ، وربما تكون للناسخ.
ثالثا: التسمية أغلبية، لأن الجزء لا يقتصر على الزهد فقط، فنحو ثلث الكتاب لا علاقة له بالموضوع مطلقا، ولا سيما أواخره. (دون الزيادات)، ولم يُشر المحقق إلى ذلك ألبتة.
رابعا: ولهذا أمثلة كثيرة يعرفها المختصون بالتراث، أكتفي بمثال واحد، وهو كتاب أبي جعفر الخُلدي: الفوائد والزهد والرقائق والمراثي، الذي طبع قسم منه، فهذه تسمية وصفية، ليست من عمل الخُلدي، والله أعلم.
خامسا: لم ينقل المحقق سلفا له في هذا الخاطر، ولا أظنه يجد.
فبان أن الخاطر العاطر الذي عرض للمحقق فيه نظر شديد، ولا يؤخذ العلم بالخواطر ولا الوسوسات.
ـ[أبو أحمد الجزائري الأثري]ــــــــ[25 - 03 - 03, 12:24 م]ـ
ملاحظات أخرى سريعة:
1) ذكر المحقق الفاضل صاحب الاستقراءات (ص10) اعتقاد أبي حاتم نقلا عن ابن أبي يعلى في الطبقات، ولكن لعله يجهل أن الاعتقاد مشهور مفرد، وقد طُبع مرارا، ونقله من هم أعلى وأقدم من ابن أبي يعلى، وهذا عيب في الإحالة عند أهل الحديث، أما عند مدرسة الكوثري فمعرفتهم به اكتشاف لا يقل روعة عن اكتشاف ترجمة عبد الرحمن بن أحمد في لسان الميزان!
2) ذكر المحقق صاحب الدعاوى (ص25) ضمن كلامه عن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن أحمد وروايته للكتاب: " .. وقوله: (أخبرني والدي بقراءتي عليه) مثبت لسماعه منه (!) حيث ذكره بخير"!!
¥