فإن قيل: لم يفسَّر الجرح، قلت: لا داعي لتفسيره، إذ تفسير الجرح لا يهمنا إلا إذا عورض بتوثيق، ولا نجده هنا، وأما قول أخينا إنه ثقة عدل مطلقا فلا أدري من أين أتى به، ولا يُستفاد بالضرورة من تنكيت ابن حجر على الذهبي بأن مرويات عبد الرحمن مستقيمة عن غير القطان، ولا أدري إن كان أخي يقبل مثل هذا السّبر مطلقا من ابن حجر فيمن سبقه بأربعة قرون ونيف، ومعلوم أن ابن حجر على منهج المتأخرين، ومهما يكن فرواية عبد الرحمن عن القطان خارجة عن هذا، والأصل إبقاؤها على الضعف المطلق، ولم يورد الخطيب، ولا الرافعي، ولا الذهبي شيئا سواه، واعتمدوه في ترجمته.
ومن أراد أن يخصص الضعف بطريقة التحمل وتجويز الصغر وغيره فعليه الدليل الصريح لكي يرد القدح، ولم أجد في كل ما قرأت ههنا ردا بدليل قاطع، وإن كانت هناك أخطاء غريبة كتجويز الرواية بالإجازة، وهو يقول: (قرئ عليه وأنا أسمع)! وكالاستدلال بالسماعات لإثبات أصل الكتاب، مع أنه لا يوجد سوى سماع واحد منقول لسماع عبد الرحمن (موضع العلة)، أما السماع الثاني والأخير فهو لابن صابر، ولا علاقة له بالاحتجاج في إثبات أصل الكتاب، لأنه متأخر ومن طريق صاحب العلة ذاتها.
وليعلم بأنه لو التزم المثبتون كلامهم الآنف لسقط غالب إعلالات الأئمة - كالذهبي وغيره - لبعض الكتب، وذلك بطعنهم في أسانيدها.
نعم، لا أجهل أن الطعن ربما يكون في رواية شخص معين لكتاب أو شيخ معين، كرواية أبي مسعود الثقفي بالإجازة عن الخطيب بعد مائة سنة تقريبا! وهذا يختلف عن موضوعنا تماما، لأن الكتب موجودة ومعروفة، ورُواتها معروفون، والشيخ تلاميذه معروفون، ولكن نصوا أن فلانا لا تصح إجازته من فلان وأنها مزورة، وهذا لا يطعن في الكتب بذاتها.
ولكن في موضوعنا تفرد راوٍ واحد برواية كتاب، ولا يُشارك فيه، وعن شيخ ارتحل الحفاظ والرحالون إليه من الأقطار على طبقات عدة، عن شيخ من أفراد الأئمة عبر الدهر، اعتنى العلماء بترجمته، ورزقه الله ولدا خدم علمه وتراثه، ثم هذا الراوي (بعد ذلك كله) قد ضعفوا روايته عن شيخه، ولا نستطيع أن نقول إن سبب الضعف كذا وكذا، لعدم علمنا به، ومَن عَيَّن سببا وعمل به فقد تَحَكَّم بالظن، وإن الظن لا يغني من الحق شيئا.
3) فإن قيل: فقد روى الخطيب بضع أحاديث من الجزء، فأقول لو رواه كله عدة مرات من نفس الطريق المطعون فيها لما أفاد في صحة (نسبة) الكتاب شيئا، وقد أجبتُ عن هذا مرارا! وهذا يشبه (في وجهٍ) مَن أراد أن يصحح نسخة نبيط بن شريط الموضوعة لمجرد رواية بعض الحفاظ من طريقها!
4) وإن قيل: فقد روى فلان حديثا وحديثين من غير طريق الجزء إلى أبي حاتم به؟ أجبتُ: ولماذا لا يكون من جزء آخر غير هذا؟ أنا أتكلم عن ثبوت (تصنيف) لأبي حاتم جعله بمحض اختياره في باب الزهد، ولا أتكلم عن ثبوت رواية أو روايتين له.
ثم قد أوردتُ مثالين لآثار ثبتت عن أبي حاتم بإسناد، ووجدناها في الجزء المنسوب لأبي حاتم بأسانيد مغايرة! وقلت إنها تقدح في حالة عدم (ثبوت) الكتاب، ولا سيما مع القرائن الأخرى.
5) وقلت أيضا: إن في الجزء مجموعة لا بأس منها من الآثار في التفسير، فلماذا أعرض عنها ابن أبي حاتم في تفسيره ولم يورد هذه الآثار (إلا واحدة فقط) من أي طريق، وتكون في نفس الوقت من مرويات أبيه! فلا يعرفها أبوحاتم، بينما يعرفها عبد الرحمن الضعيف في شيخه القطان! لم أجد جوابا عن هذا!
6) أما قول بعض الفضلاء إن تأليفه في الزهد ممكن، فأقول: لم أقل إنه من حيث التجويز العقلي غير ممكن، ولكن أزيد بأن مثل أبي حاتم يمكنه أن يؤلف في كل الفنون المتصلة بالإسناد! فعلى هذا فأي شيء يُنسب لأبي حاتم فمن الممكن أن نصدق به! وأقول: لو أردنا مسايرة الافتراضات والاحتمالات فلن يبقى كتابٌ لا يصح إلا واستطعنا معاكسة القول فيه، ولا يحتاج الأمر إلا لإطلاق العنان للافتراضات والتجويزات، وهذا بعينه أحد أُسُس منهج المتأخرين في رد كلام الأئمة المتقدمين!
¥