بارك الله فيك
إذا كان المقصود هم كبراء قريش الذين كذبوا النبي صلى الله عليه وسلم وألقوا في قليب بدرفكيف يكون أولئك هم أكثر قريش وعددهم لم يتجاوز السبعين رجلا؟
من القي بالقليب هم جزء من المكذبين الذين هم أكثر كبراء مكة. وفيهم قال حسان بن ثابت رضي الله عنه:
وخبر بالذي لا عيب فيه //// بصدق غير إخبار الكذوب ///
بما صنع المليك غداة بدر /// لنا في المشركين من النصيب //
غداة كأن جمعهم حراء ////بدت أركانه جنح الغروب ////
فلاقيناهم منا بجمع ////كأسد الغاب مردان وشيب ////
أمام محمد قد وازروه //// على الأعداء في لفح الحروب ///
بأيديهم صوارم مرهفات /// وكل مجرب خاطي الكعوب ///
بنو الأوس الغطارف وازرتها /// بنو النجار في الدين الصليب ///
فغادرنا أبا جهل صريعا /// وعتبة قد تركنا بالجبوب ///
وشيبة قد تركنا في رجال /// ذوي حسب إذا نسبوا حسيب//
يناديهم رسول الله لما ///قذفناهم كباكب في القليب ///
ألم تجدوا كلامي كان حقا //// وأمر الله يأخذ بالقلوب؟ ///
فما نطقوا، ولو نطقوا لقالوا: /// صدقت وكنت ذا رأي مصيب////
وقد ذكر ابن مسعود رضي الله عنه ذلك:"أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي عِنْدَ الْبَيْتِ وَأَبُو جَهْلٍ وَأَصْحَابٌ لَهُ جُلُوسٌ إِذْ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْض أَيُّكُمْ يَجِيءُ بِسَلَى جَزُورِ بَنِي فُلَانٍ فَيَضَعُهُ عَلَى ظَهْرِ مُحَمَّدٍ إِذَا سَجَدَ فَانْبَعَثَ أَشْقَى الْقَوْمِ فَجَاءَ بِهِ فَنَظَرَ حَتَّى سَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَعَهُ عَلَى ظَهْرِهِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ وَأَنَا أَنْظُرُ لَا أُغْنِي شَيْئًا لَوْ كَانَ لِي مَنَعَةٌ قَالَ فَجَعَلُوا يَضْحَكُونَ وَيُحِيلُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاجِدٌ لَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ حَتَّى جَاءَتْهُ فَاطِمَةُ فَطَرَحَتْ عَنْ ظَهْرِهِ فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسَهُ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَشَقَّ عَلَيْهِمْ إِذْ دَعَا عَلَيْهِمْ قَالَ وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ الدَّعْوَةَ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ مُسْتَجَابَةٌ ثُمَّ سَمَّى اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِأَبِي جَهْلٍ وَعَلَيْكَ بِعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ وَعَدَّ السَّابِعَ فَلَمْ يَحْفَظْ قَالَ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ رَأَيْتُ الَّذِينَ عَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَرْعَى فِي الْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ" صحيح البخاري - (ج 1 / ص 400)
وقد أخبرنا ربنا عن هؤلاء انهم لا يؤمنوا وحتم موت اناس بأعيانهم على الكفر أثناء حياتهم. فمنهم
ابو جهل: نزلت فيه:"ناصية كاذبة خاطئة"
ابو لهب:نزلت فيه وزوجته سورة المسد"سيصلى نارا "
الوليد بن المغيرة:نزلت فيه "سأصليه سقر"
وأبي أو أمية نزلت في أحدهما "يا ليتني لم أتخذ فلانا خليلا"
فلذلك يكون هؤلاء وغيرهم هم الذين سواء عليهم النذير أو عدمه وقد سبق في علم الله أنهم لا يؤمنون.وكان النبي يرغب في هدايتهم لكون الناس تبعا لكبرائهم حتى أعرض النبي عن ابن ام مكتوم ونزلت "عبس وتولى"
وذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام كان مشفقا على قومه مع ما كان يمسه من أذاهم له. وقد ذكر الله ذلك في العديد من آياته ذلك فقال:
" أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ" [فاطر/8]
"وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآَيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ (35) " [الأنعام/35] وغيرها من الآيات.
قال ابن كثير:
يقول تعالى: إنا جعلنا هؤلاء المحتوم عليهم بالشقاء نسبتهم إلى الوصول إلى الهدى كنسبة من جُعل في عنقه غل، فجَمَع يديه مع عنقه تحت ذقنه، فارتفع رأسُه، فصار مقمَحا. تفسير ابن كثير - (ج 6 / ص 563)
قال الشوكاني رحمه الله:
في قوله: {لَقَدْ حَقَّ القول على أَكْثَرِهِمْ} هي: الموطئة للقسم، أي: والله لقد حقّ القول على أكثرهم، ومعنى {حقّ}: ثبت، ووجب القول: أي: العذاب على أكثرهم: أي: أكثر أهل مكة، أو أكثر الكفار على الإطلاق، أو أكثر كفار العرب، وهم من مات على الكفر، وأصرّ عليه طول حياته، فيتفرّع قوله: {فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} على ما قبله بهذا الاعتبار، أي: لأن الله سبحانه قد علم منهم الإصرار على ما هم فيه من الكفر، والموت عليه، وقيل: المراد بالقول المذكور هنا: هو قوله سبحانه: {فالحق والحق أَقُولُ لأَمْلاَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ} [ص: 84 85].فتح القدير - (ج 6 / ص 151)
والله تعالى أعلم.