وهؤلاء تقع على عواتقهم أمانة كبيرة في السبيلين اللذين ذكرتهما، وفيهما - كما قلت في سؤالك - ضعف ملحوظ جدا.
وإذا نظرت إلى بعض المتخصصين في مجالس الأقسام تراه يطالب الدارسين بالجديد وهو من أبعد الناس عن ذلك، بل إذا جاءت دراسات جادة وجديدة تناقش شيئا من الخلل الموجود في الدراسات والأطروحات المعارضة - رأيته أول المنتقدين.
بل إني سمعت عن بعضهم يقول في خطة أكاديمية قُدمت: لا نريد أن نفتح الباب لأعدائنا في هذا الموضوع!، وقد تعجبت كثيرا من ذلك، إذ الباب مكسور، والأعداء قد ولغوا فيه، وقدموا فيه الدراسات المشككة. وأرى أن هذا القائل قال بذلك لنقص علمه بما يُطرح في ساحة الدراسات القرآنية، وبما يطرحه المخالفون في هذا المجال، بل أكاد أجزم أنه لم يقرأ كتابا من كتب هؤلاء المخالفين ليرى هل بقي في الباب شي يمكن تقويمه ليوصده من جديد!
إن هذا واقعنا، وأرجو أن لا ننزعج من نقده وتقويمه وتسديده، والسير به إلى الطريق الأمثل، والسبيل الأقوم. ودليل ذلك أنك لو عملت كشافا لرسائلنا وبحوثنا العلمية، لظهر لك مدى عنايتنا بهذين البابين اللذين ذكرتهما.
وأما ما يتعلق بتقريب كتاب الله للعامة، فإن هذا فيه تقصير كبير، مع أن عضو هيئة التدريس يقوم بتدريس مواد الكلية، فلماذا لا يقوم بتدريس كتاب الله للعامة؟!
وأحب أن أنبه على أمر متعلق بلفظ (المتخصصين)، فأقول: إننا نربط تعليم القرآن وتفسيره بالمتخصصين فقط، لكن لما كان أولئك قد سلكوا هذا السبيل، فإن العتب عليهم أخص، وإلا فكل من كان له عناية بالقرآن من المسلمين، فإنه مطالب بما يطالب به المتخصص.
ذكر زميلكم الدكتور عبد الرحمن الشهري في لقائنا معه في (بصائر): أن سبب بُعد أهل التفسير عن الحياة الفكرية المتعلقة بالقرآن وعدم تصديهم للشبهات المثارة - هو ازدراؤهم وعدم معرفتهم للعلوم والمناهج الجديدة كالبنيوية والألسنية وغيها. فما رأيكم؟
الحكم على الشيء فرع عن تصوره، وإذا كان المتخصصون لا يعرفون هذه الدراسات فأنّى لهم أن يصدوا شبهات هؤلاء القوم؟! لذا فإنني أتمنى أن ينبري بعض المتخصصين لمعرفة أصول هؤلاء القوم وأقوالهم، ثم يمكنهم التصدي لهذه الدراسات التي تخلط الحق بالباطل فتلبسه به، بل تحرف كلام الله عن مواضعه.
هل أنت راض عن مستوى المتخصصين في الدراسات القرآنية؟ وهل باستطاعة المتخصصين والأقسام القرآنية تقديم المفيد الجديد في هذا الجانب؟
حسب ما قدمت من إجابات فإن الجواب البديهي: لست راضيا!
ولا يزال ميدان الدراسات القرآنية ثريا، ويمكن تقديم الجديد والمفيد، فكتاب الله تعالى حر لا يدرك مداه، فأنى للدراسات أن تأتي على كل ما يتعلق به؟!
ولكن من أراد أن يثوِّر القرآن فعليه بالقراءة والتأمل وبابتكار الموضوعات، وبالاجتهاد في البعد عن الموضوعات الرتيبة التي كثُر طرقها.
وأحب أن أعلق على كلمة (الجديد)، فإنها كلمة فيها ضبابية، وقد يستخدمها بعض أعضاء هيئة التدريس في رد بعض الموضوعات، وإن كان واقع البحث المقدم فيه جديد؛ ذلك أن معيار الجديد يختلف من شخص لآخر. والمهم في البحث الإبداع وجودة التحرير، وهما بمثابة الجديد لا محالة.
لو قال باحث: سأبحث المعرّب في القرآن، لقال بعضهم: هذا بحث لا جديد فيه، وواقع البحث العلمي المعاصر يدل أنه فيه جديد.
وقد ظهرت نظريات معاصرة مبنية على أقوال أسلافنا، وفيها من الإبداع الغريب ما فيها، فلو درسها الباحث من خلال هذه النظريات الجديدة لظهر جديد هذا الموضوع، لكن الحكم المُسبق على الموضوعات - الذي سببه قلة الاطلاع في بعض الأحيان - سبب في رد مثل هذا الموضوع.
ولو استُبدل الجديد بالتحرير والإبداع الذي يظهره الباحث في بحثه لكان أولى من اشتراط الجديد الذي لا يثبت لكثير من البحوث التي تُقبل لاعتبارات مختلفة، لكن إذا أضيف إلى ما ذكرته أن يكون الموضوع فيه جِدة، فهذا فضل فوق الفضل، والله يرزق من يشاء بغير حساب.
وعلى شوق ننتظر (الحلقة الثانية) من هذا الحوار العلمي الماتع.
ـ[عمر المقبل]ــــــــ[26 Dec 2009, 02:46 م]ـ
بارك في الناقل والمجيب والسائل، وأثاب الله الشيخ المدقق أبا عبدالملك، ونفع به، وزادنا وإياه من فضله.