والمراد من القصص القرآني: إخباره عن أحوال الأمم الماضية والأنبياء السابقين والحوادث والكائنات الواقعة فيما مضى من الزمن
وبناء على هذا التعريف: يشترط أن تكون قصة غابرة في الماضي، ونزل القرآن متحدثا عنها، أما المناسبات الحاضرة فى زمن النبوة فلا تسمى قصصا، وذلك كالغزوات التي تحدث عنها القرآن والحوادث التي وقعت فى هذا الزمن كحديث الإفك والظهار وما شابه هذه الأمور بحجة أن هذه الأحداث عايشها من شهدوا الوحي والتنزيل فلا تعد بالنسبة لهم قصصا.
قال ابن عاشور: القصة: الخبر عن حادثة غائبة عن المخبر.فليس ما في القرآن من ذكر الأحوال الحاضرة فى زمن نزوله قصصاً، مثل ذكر وقائع المسلمين مع عدوهم
هذا بخلاف بعض العلماء فقد عدوا هذه الأحوال من أنواع القصص القرآني باعتبار أن الأجيال التي جاءت بعد عصر الصحابة لم يشاهدوها، فهي بالنسبة لهم ولمن جاء بعدهم إلى يوم القيامة قصصا.
وجوه الكلمة فى القرآن:
قال الدامغانى: تفسير القصص على ستة أوجه: التسمية – القراءة – البيان – الطلب – أخبر – ينزل.
فوجه منها: القصص: التسمية. قوله تعالى فى سورة النساء " وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ " يعنى سميناهم لك مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ مثلها فى حم المؤمن " مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ " يعنى سميناهم لك.
والوجه الثاني: القصص: القراءة. قوله سبحانه فى سورة الأعراف " فَاقْصُصِ الْقَصَصَ " أى فاقرأ، مثلها فيها: " يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي " يعنى يقرءون ويتلون.
والوجه الثالث: يقص يعنى يبين. قوله تعالى فى سورة النمل " إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَقُصُّ " يعنى: يبين " عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ " مثلها " وَكُلًّا نَقُصُّ " أى: نبين " عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ " ونحوه.
والوجه الرابع: قصصنا أى طلبنا الأثر، قوله سبحانه فى سورة الكهف " فَارْتَدَّا عَلَى آَثَارِهِمَا قَصَصًا " " يعنى: يقصان الأثر ويطلبان الموضع الذى انسرب فيه الحوت، مثلها فى سورة القصص "وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ "
والوجه الخامس: قص أى: أخبر. قوله تعالى فى سورة القصص " فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ " يعنى أخبره بخبره، كقوله تعالى فى سورة يوسف عليه السلام " لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ " يعنى لا تخبرهم، وكقوله تعالى فيها " لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ " يعنى فى أخبارهم " عِبْرَةٌ "
والوجه السادس: يقص أى ينزل عليك. كقوله تعالى قى سورة طه " كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ " أى ننزل عليك "مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ " يعنى بالأنباء: الأخبار " وَقَدْ آَتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا ".
ألفاظ متداخلة
هناك بعض الكلمات تداخلت في معانيها مع معنى قص، ونظراً لهذا التقارب اشتط بعض الباحثين فوصف القصص القرآني بالأسطورة، لذا رأيت من المناسب فى هذا المقام أن ألقى الضوء عليها هنا حتى لا يضل فيها من لا يعرفها. ومن هذه الكلمات:
الأسطورة: تشترك كلمة الأسطورة مع القصة في أن كلا منهما يدور حول أحداث وروايات غابرة.
لكن من خلال المدلول اللغوى نقف على أن المراد بالأساطير الأخبار الكاذبة كالخرافات والأوهام وهى بهذا المدلول لا يمكن تسمية القصص القرآني بها.
فقد نصت كتب اللغة على أن الأَساطيرُ تعنى الأباطيل، الواحد أُسْطورَةٌ، بالضم.
ففى اللسان: والأَساطِيرُ أَحاديثُ لا نظام لها، يقال سَطَّرَ فلانٌ علينا يُسَطّرُ إِذا جاء بأَحاديث تشبه الباطل يقال هو يُسَطِّرُ ما لا أَصل له أَي يؤلف
وكان العرب يطلقونه على ما يتسامر الناس به من القصص والأخبار على اختلاف أحوالها من صدق وكذب، ولا يميِّزون بين التواريخ والقصص والخرافات فجميع ذلك مرمي بالكذب والمبالغة.
قال صاحب الظلال: والأساطير واحدتها أسطورة. وهي الحكاية المتلبسة - غالباً - بالتصورات الخرافية عن الآلهة، وعن أقاصيص القدامى وبطولاتهم الخارقة، وعن الأحداث التي يلعب فيها الخيال والخرافة دوراً كبيراً.
وقد وردت الكلمة فى آيات عديدة من القرآن:
¥