تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

سورة البقرة (177)

والشرك والكفر رأس كل رذيلة والدافع إلى كل خلق ذميم، وتأمل قول الله تعالى:

(أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)) سورة الماعون

وتزكية النفس لا تكون إلا عن طريق الإيمان بالرسل واتباع ما جاءوا به من عند الله من أسباب تزكية النفس.

وسورة الشمس كانت دعوة لكفار قريش إلى الإيمان بالله ورسوله صلى الله واتباع ما جاء به لتزكو نفوسهم من كل دنس، ثم أعقب ذلك بذكر ثمود ليحذرهم بذلك من عاقبة تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم وأن ما حل بثمود ليس منهم ببعيد إذا ما اختاروا طريقهم وسلكوا مسلكهم.

وأما عن تخصيص قوم ثمود بالذكر فقلتُ:

وربما خص ثمود بالذكر لقرب آثارهم منهم وقوعها على طريق تجارتهم وتواتر أخبارهم في الأجيال السابقة لهم حتى وصلت إليهم.

ثم إن الأخ الريس قولني ما لم أقل فأجبته:

أخانا الكريم

لم أقل إن العلاقة بين تزكية النفس وذكر قوم ثمود في السورة هو مرور قريش بآثارهم.

وإنما قلت إن تزكية النفس لا تكون إلا بالتطهر من الشرك والكفر أولاً ثم التزكية بالإيمان واتباع الرسل وهي دعوة كانت موجهة إلى قريش لترك ما هم عليه من الشرك والكفر والإيمان بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم وإذا هم لم يفعلوا فليحذروا أن يحل بهم ما حل بأسلافهم من المكذبين وخص ثمود بالذكر لما سبق وأن ذكرت لك ولربما بسبب أن هناك مشابهة في الطغيان بين من تولى كبر التكذيب من قريش ومن تولاه في ثمود، ولهذا جاء التحذير من نفس المصير، ولقد أمر الله نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم أن ينذرهم صراحة بمثل عذاب قوم ثمود في قوله تعالى:

(فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ (13) إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (14)) سورة فصلت

إذاً العلاقة هي التكذيب بما جاءت به الرسل وأظن الأمر واضح وليس فيه اشكال.

ثم رددت على الأخ الفاضل إبراهيم الحسني دعواه أنه لا علاقة بين مقدمة السورة ونهايتها وهو أمر استغربه منه فقلتُ:

أخانا الكريم إبراهيم

العلاقة بين صدر السورة وقصة ثمود واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، وليس للموضوع علاقة بدلالة الاقتران.

ثمود دعاها طغيانها إلى تكذيب نبي الله صالح وعقر الناقة بل محاولة قتل نبي الله صالح كما قص الله علينا ذلك في موضع آخر من القرآن حيث قال:

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ (45) قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (46) قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (47) وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (48) قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (49) وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50) فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52)) سورة النمل

ولقد حاول الطغاة من كفار قريش ما حاوله الطغاة من قوم صالح:

(وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) سورة الأنفال (30)

إن تكذيب الرسل والإعراض عما جاءت به من أسباب تزكية النفوس هو بعينه تدسية النفس وجرها إلى طريق الخيبة الهلاك.

وأما قول الأخ إبراهيم:

فإن كانت هناك مناسبة فهي في قوله تعالى: "فاستحبوا العمى على الهدى" وإلا فلا ميزة أخرى يتميزون بها.

وأنا أقول هذا أمر مشترك بين كل الأمم الكافرة فمن كذب بالآخرة ورضي بالحياة الدنيا فقد استحب العمى على الهدى والآيات الدالة على ذلك كثيرة، ومنها قوله تعالى:

(الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1) اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (2) الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآَخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (3)) سورة إبراهيم

فالسورة ولله الحمد ليس فيها إشكال وهي واضحة المعنى ومباشرة في دلالتها.

هذا والله أعلم

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير