تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[13 Jan 2010, 08:05 م]ـ

1 - العلم يستبعد معطيات الوحي في الفكر الغربي:-

إن مصادر العلم في الإسلام هي: الكون المحسوس الذي جعل الله له نواميس وقوانين تحكمه ويمكن للإنسان بعقله وحواسه إدراك هذه النواميس والقوانين ومعرفة أسباب الوقائع وعللها في هذا الكون، أما المصدر الثاني فهو: الوحي المنزل وهو كلام الله الذي جاء إلى الإنسان ليتدبره وبعرف معانيه ويدرك مراد الله من خلاله، وينفرد الوحي بأنه يمدّ المعرفة الإنسانية بتلك الحقائق التي لا يتأتى للحس أو العقل إدراكها بصورة مستقلة.

ذلك ما كان من أمر تجربة الفكر الإسلامي، أما التجربة الغربية فإنها تختلف كل الاختلاف في ذلك؛ إذ أرست التعاليم المسيحية المحرفة كثيراً من الخرافات والأباطيل، وليس ذلك فحسب بل مارست الكنيسة اضطهاداً للأسلوب العلمي في التفكير، واستمر هذا الأمر حتى نشأ صراع مرير بين العلماء والكنيسة؛ إذ تعرّف هولاء العلماء على تلك العلوم التجريبية القائمة على منهج الاستقراء والملاحظة القادمة من بلاد المسلمين؛ ولهذا سمى سان سايمون الفكر الإسلامي بـ (النور الجديد)، ثم اشتد هذا الصراع حتى انتهي لصالح العلماء والمفكرين ضد الكنيسة، وتم بذلك إقصاء الدين والتفكير الديني عن مجالات الحياة واعتبر الحس وحده مصدراً للمعرفة.

ومعلوم أن الحس مصدر للمعرفة، ولكنه ليس المصدر الوحيد الذي تستبعد له المصادر الأخرى، ولكن لما سادت الوضعية انحصر العلم في دراسة المادة، ثم عمم ذلك على كافة الموضوعات المدروسة وإن كانت روحية أو نفسية أو وجدانية؛ إذ أن مهمة الوضعية هي وحدة المنهج بغض النظر عن طبيعة الموضوع المدروس وخصائصه ومكوناته؛ ومن أجل ذلك لم تتصور هذه الوضعية التي لا تؤمن بمعطيات الدين وجود إله أو دين أو مثل أو أخلاق وقيم خارج بنية المجتمع؛ فالمجتمع -في نظر هذه الوضعية – هو مصدر كل تلك الأفكار وهو مصدر السلطة الأخلاقية والقيمية، أما ربط الأخلاق والقيم ونحوها بالدين فهو من سمات المجتمعات المتخلفة؛ فصارت هذه النظرة الوضعية أو (العلمية) نظرة إلحادية محضة لا تؤمن بمعطيات الدين (العلمية) فحسب بل لا تؤمن حتى بتلك المعطيات التي تميز ذلك الدين نحو وجود الإله والتزام القيم والأخلاق والمثل والمعايير.

ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[13 Jan 2010, 08:06 م]ـ

2 - الوجود تابع لنظرية المعرفة وليس العكس في الفكر الغربي:-

في الفكر الإسلامي تتبع نظرية المعرفة لنظرية الوجود؛ إذ أن المعرفة الإنسانية لا يمكن أن تحيط بكل الوجود، أما الفكر الغربي فقد جعل الوجود تابعاً للمعرفة؛ ولذلك ينحصر الوجود لديهم في هذا العالم المشاهد الذي تستطيع الحواس إدراكه، وعلى هذه القاعدة صاغوا مفاهيمهم وأسسهم العلمية، ولأجل ذلك ذهب بعضهم إلى أن العالم يوجد فقط عندما نتعامل معه.

والحق أن الوجود في التصور الإسلامي أكبر بكثير من إدراك الإنسان، ولهذا أقسم تعالى بما نبصر وما لا نبصر؛ أي: بهذا المحسوس لدينا وما لا نحس من الوجود؛ فقال: (فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ وَمَا لَا تُبْصِرُونَ) وحتى هذا المحسوس في الكون فإنه أوسع وأكبر من إدراك الإنسان له، ووراء حدود هذا الإدراك الحسي عوالم وأسرار لا يدركها الحس؛ إذ أن الوجود أرحب والحقيقة أكبر من الجهاز الإنساني المزود بقدر محدود يناسب وظيفته في هذا الكون؛ ولأجل ذلك فإن الذين يحصرون أنفسهم في حدود ما تدرك الحواس إنما يحصرون إدراكهم وعلومهم في عالم ضيق على سعته؛ ضيق حين يقاس بذلك الوجود الكبير. ولما كان الأمر كذلك فإن القرآن العظيم قد جاء ليبين تلك الحقائق التي هي وراء الحقائق الجزئية التي يدركها الإنسان بحواسه.

ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[13 Jan 2010, 08:09 م]ـ

3 - العلم ليس بالضرورة بحثاً عن الحقيقة في الفكر الغربي:-

إن العلم لابد له من مطابقة الواقع وإدراك دقائقه في الفكر الإسلامي، أما الفكر الغربي فلا يرى ذلك؛ ولهذا حذّر الفيلسوف الوضعي أوجست كونت من محاولة إدراك حقائق الأشياء؛ إذ أن العلم عندهم لا يبحث عن ماهية الأشياء؛ وإنما يكتفي بالوقوف على الوصف الخارجي للظاهرة؛ فما يهم العلم هو كيفية حدوث الظاهرة لا كنهها، ولهذا فإن العلم حسب المفهوم الغربي يقوم بالتصنيف الصحيح والوصف الظاهري الدقيق، أما الانشغال بالتأكد من مدى مطابقة العلم للواقع والحقيقة من حيث هي لا من حيث النتائج فهو أمر لا يعني العلم إطلاقاً؛ أي: أنهم لا يريدون أن يعلموا إلا ظاهراً من الحسيات في هذه الحياة، ولهذا ذهب فلاسفة العلم إلى أن العلم لا يحرز حقائق يقينية قاطعة وإنما يكفيه رجحان الصدق، فعبارة (حقائق علمية) لا تعني أنها تمثل واقعاً موضوعياً يصف العالم وإنما هي في نظر كذلك فحسب، ولهذا تطلق عبارة الحقائق العلمية على الآتي:-

أ - الحقائق العلمية التي شهدت الحواس بصدقها بصورة قاطعة سواء بواسطة الأجهزة المتطورة أو غيرها، وهذا النوع يعتبر نوعاً ثابتاً.

ب - الحقائق التي يتم استنتاجها لتفسير التجارب؛ فهذه الأمور ـ التي تعتبر حقائق في نظر العلم ـ ليست ثابتة، وإنما هي قابلة للانهيار إذا أظهرت التجربة أن هنالك نتيجة واحدة لا يمكن تفسيرها بها.

وليس ذلك فحسب بل إن الحقائق المختبرية نفسها لا تعطي العلم بها بنفسها؛ وإنما يدركها الإنسان؛ ولهذا قد تتأثر بالإنسان وخياله وأوهامه ومدى بعده أو قربه من الدقة في الملاحظات والتوصيف والاستنتاج؛ فنتائج العلوم – حتى الحسية – إنما هي نتائج تقريبية وعرضة للأخطاء المحتملة في القياسات والمقاربات، وإذا كانت هذه العلوم تقوم على رصد الكمية في الوصف والتنبؤ فهي تقوم على الاحتمالات وتنتهي بها. ويرى بوبر أن مجرد موافقة التجربة لتصور نظري معين لا يعني أن هذا التصور صحيح وإنما يعني فقط أننا لا نملك دليلاً على خطئه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير