تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يجمع المسلمون على قوة العلاقة بين القرآن العظيم والعلوم؛ وإن اختلفوا في هذه العلوم وفي كيفية استمدادها منه، فكانوا في ذلك على اتجاهات، وتفصيل ذلك كالآتي:

ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[13 Jan 2010, 08:15 م]ـ

1 - اتجاه استمداد تفاصيل العلوم من القرآن:-

ذهب كثير من العلماء والباحثين إلى تلمس جزئيات العلوم وتفاصيلها داخل القرآن؛ واستدلوا في ذلك بقوله تعالى: (مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ) وما دام القرآن لم يدع من شئ صغيراً أو كبيراً إلا ذكره - فإنه لابد أن تكون فيه عندهم كل التفاصيل والجزئيات؛ واستدلوا في ذلك أيضاً بقول ابن عباس: (لو ضاع مني عقال بعير لوجدته في القرآن)، ورغم غرابة هذا الاتجاه إلا أنه اتجاه شائع جداً.

ولهذا ذهب بعضهم إلى تلمس كل شئ في القرآن فذهب ابن سينا إلى تلمس آراء الفلاسفة وأفكارهم في القرآن بطريقة عجيبة، وحمل ابن رشد معطيات هذه الفلسفة على القرآن بالتأويل، وذهب طنطاوي جوهري في هذا العصر إلى تلمس تفاصيل الأسرار العلمية داخل القرآن.

وقد كان فعل ابن سينا إبطالاً لحقائق القرآن الصريحة، إذ جعل الفلسفة حاكمة على القرآن؛ حتى ذهب إلى أن القرآن رموز فلسفية لا يفهمها الأعراب الجفاة؛ بل يفهمها العلماء والفلاسفة؛ ولذلك فسر العرش في قوله تعالى: (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ) بأنه الفلك التاسع الذي هو فلك الأفلاك، وفسر الملائكة الثمانية التي تحمل العرش بأنها الأفلاك الثمانية التي تحت الفلك التاسع. وفسر الجنة بأنها العالم العقلي والنار بأنها العالم الخيالي.

وذهب ابن رشد في كتابه (فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال) إلى تلمس علاقة القرآن بالفلسفة، ولكنه أيضاً مال إلى التأويل حتى يحمل معطيات القرآن على الفلسفة، وإن كان صنيعه أقل شناعة من صنيع ابن سينا. وقد أنكر ابن رشد على الغزالي تكفيره لبعض الفلاسفة كابن سينا في بعض الأمور؛ لأنه لا يمكن القطع – عنده - بكفر من خرق الإجماع في التأويل في أمثال هذه الأشياء. وذهب إلى أن في القرآن أسراراً يفهمها الخواص وفرضٌ عليهم تأويلها، وفرضٌ على الجمهور حملها على ظاهرها.

وقد نهج طنطاوي جوهري أيضا في تفسيره (الجواهر) منهجاً عجيباً في تلمس العلاقة بين القرآن والعلوم، فذهب إلى أن سبعمائة آية من كتاب الله قد اشتملت على عجائب الدنيا كلها؛ وأن آيات محدودة منه قد احتلت فرعاً كاملاً من علم الرياضيات، ولا يتردد الشيخ جوهري في الاستشهاد بعالم الأرواح واستحضارها في الولايات المتحدة، وعندما تعرَّض طنطاوي جوهري لقوله تعالى: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً) عقد بحثاً في عجائب القرآن وغرائبه، فذكر ما انطوت عليه هذه الآيات من عجائب في علم تحضير الأرواح، ثم ذكر نبذة طويلة عن مبدأ ظهور هذا العلم، وكيف كان انتشاره بين الأمم.

وقد استعان جوهري كذلك بمسائل في علوم الطب والكيمياء والجيولوجيا، وذهب إلى أنها علوم مكنونة في النص القرآني تنتظر من يرفع الحجب عنها، ولا يقتصر الشيخ جوهري على ذلك؛ بل يتناول عبارات ومفاهيم في غاية الغرابة نحو الأسرار الكيمائية في الحروف الهجائية ونحو ذلك. ويسعي الشيخ إلى بيان أنه ما من علم من العلوم المعاصرة إلا وقد وجد في القرآن؛ فذكر الميكروبات والكهرباء والذرة والصواريخ والطائرات وغيرها؛ فخالف قانون اللغة والسياق والنظم حتى حمّل القرآن ما لا يحتمله.

ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[13 Jan 2010, 08:16 م]ـ

2 - اتجاه الإمام الشاطبي المعارض:-

أبرز أصحاب هذا الاتجاه المعارض الإمام أبو إسحاق الشاطبي، وقد رد الشاطبي على أصحاب الاتجاه السابق وبالغ في رده عليهم، إذ رفض ربط القرآن بالعلوم الفلسفية وغيرها، وذهب إلى أن هذه الشريعة المباركة شريعة أمية لم تأت إلا بما يعرفه العرب من العلوم ولم تخرج عما ألفوه، يقول الشاطبي: (إن كثيرًا من الناس تجاوزوا في الدعوى على القرآن الحد، فأضافوا إليه كل علم يذكر للمتقدمين أو المتأخرين، من علوم الطبيعيات، والتعاليم، والمنطق، وعلم الحروف، وجميع ما نظر فيه الناظرون من هذه الفنون وأشباهها، وهذا لم يصح، فإن السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن يليهم كانوا أعرف بالقرآن وبعلومه وما أودع فيه، ولم يبلغنا أنه تكلم أحد منهم في شيء من هذا المدعى، سوى ما تقدم وما ثبت فيه من أحكام التكاليف، وأحكام الآخرة، وما يلي ذلك، ولو كان لهم في ذلك خوض ونظر، لبلغنا منه ما يدلنا على أصل المسألة، إلا أن ذلك لم يكن، فدل على أنه غير موجود عندهم، وذلك دليل على أن القرآن لم يقصد فيه تقرير لشيء مما زعموا، نعم، تضمن علوما هي من جنس علوم العرب، أو ما ينبني على معهودها مما يتعجب منه أولو الألباب، ولا تبلغه إدراكات العقول الراجحة) وقد عاب الشاطبي على أصحاب هذا الاتجاه تعلقهم بقوله تعالى: (مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ) وقال: إنه أراد أنه ما فرط من شيء من أمور التعبد إلا ذكره أو أنه قصد بـ" الكتاب" اللوح المحفوظ.

وقد أيد الدكتور الذهبي في كتاب "التفسير والمفسرون" منهج الإمام الشاطبي، وذهب إلى أن هذه العلوم لو ذكرها القرآن فخاطب بها العرب لخرج إلى عدم مراعاة المخاطب؛ لأن العرب كانوا يجهلون هذه المعاني، ثم أن القرآن - في نظره- لا يهتم بهذا اللون من حياة الناس ولا يتعهده بالشرح ولا يتولاه بالبيان حتى يكون مصدرهم الذي يرجعون إليه في ذلك، والاتجاه السابق – عنده - اتجاه متكلف يخرج بالقرآن عن هدفه الإنساني الاجتماعي في إصلاح الحياة ورياضة النفس والرجوع بها إلى الله تعالى؛ ولذلك ذكر أن القرآن عنده ليس كتاب فلسفة ولا طب ولا هندسة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير