تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقد يكون بعضها باطلاً وبعضها صحيحاً: كآية «مريم والبقرة، والطور» التي قدمنا إيضاح هذا الدليل في كل واحدة منها. وهذا الدليل أعم نفعاً، وأكثر فائدة على طريق الجدليين منه على طريق الأصوليين والمنطقيين.

المسألة الثالثة

اعلم أن السبر والتقسيم عند الأصوليين يستعمل في شيء خاص، وهو استنباط علة الحكم الشرعي بمسلك السبر والتقسيم.

وضابط هذا المسلك عند الأصوليين أمران:

الأول - هو حصر أوصاف الأصل المقيس عليه بطريق من طرق الحصر التي سنذكر بعضها إن شاء الله تعالى.

والثاني - إبطال ما ليس صالحاً للعلة بطريق من طرق الإبطال التي سنذكر أيضاً بعضها إن شاء اله تعالى.

وزاد بعضهم أمراً ثالثاً - وهو الإجماع على أن حكم الأصل معلل في الجملة لا تعبدي، والجمهور لا يشترطون هذا الأخير، والحاصل - أنه هذا الدليل يتركب عند الأصوليين من أمرين:

الأول - حصر أوصاف المحل.

والثاني - إبطال ما ليس صالحاً للعة، فإن كان الحصر والإبطال معاً قطعيين فهو دليل قطعي، وإن كانا ظنين أو أحدهما ظنياً فهو دليل ظني. ومثال ما كان الحصر والإبطال فيه قطعيين قول الله تعالى:

{أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الخالقون} [الطور: 35] لأن حصر أوصاف المحل في الأقسام الثلاثة قطعي لا شك فيهن لأنهم إما إن يخلقوا من غير شيء أو يخلقوا أنفسهم أو يخلقهم خالق غير انفسهم. لا رابع البتة. وإبطال القسمين الأولين قطعي لا شك فيه فيتعين أن الثالث حق لا شك فيه. وقد حذف في الآية لظهوره.

فدلالة هذا السبر والتقسيم على عبادة الله وحده قطعية لا شك فيها، وإن كان المثال بهذه الآية للقطعي من هذا الدليل إنما يصح على المراد به عند الجدليين دون الأصوليين، لأن المراد التمثيل للقطعي من هذا الدليل ولو بمعناه الأعم، والقطعي منه لا يمكن الاختلاف فيه. واما الظني فإن العلماء يختلفون فيه لاختلاف ظنون المجتهدين عند نظرهم في المسائل. وقد اختلفوا في الربا في أشياء كثيرة كالتفاح ونحوه. والنورة ونحوها بسبب اختلافهم في إبطال ما ليس بصالح فيقول بعضهم هذا وصف يصح إبطاله، ويقول الآخر: هو ليس بصالح فيلزم إبطاله كقولهم مثلاً في حصر أوصاف البر الذي هو الأصل مثلاً المحرم فيه الربا إذا أريد القياس الذرة عليه مثلاً، أما إن يكون علية تحريم الربا في البر الكيل أو الطعم أو الاقتيات والادخار أوهما وغلبة العيش به أو المالية والملكية فيقول المالكي غير الاقتيات والادخار باطل، والكيل هو العلة التي هي مناط الحكم، ويستدل على ذلك بأحاديث كحديث حيان بن عبيد الله عند الحاكم، وفيه بعد ذكر الستة التي يمنع فيها الربا. وكذلك كل ما يكال أو يوزن وبالحديث الصحيح الذي فيه. وكذلك الميزان كما قدمناه مستوفى في سورة البقرة في الكلام على آية الربا. ويقول الشافعي غير الطعم باطل والعلة في تحريم الربا في البر الطعم، ويستدل بحديث معمر بن عبد الله مسلم «الطعام بالطعام مثلاً بمثل» الحديث كما تقدم إيضاحه أيضاً في البقرة. وهذا النوع من القياس الذي يختلف المجتهودن في العلة فيه هو المعروف عند أهل الأصول بمركب الأصل، وأشار إليه في مراقي السعود بقوله:

وإن يكن لعلتين اختلفا ... تركب الأصل لدى من سلفا

وأشار إلى مركب الوصف بقوله:

مركب الوصف إذا الخصم منع ... وجود ذا الوصف في الأصل المتبع

والقياس المركب بنوعيه المذكورين لا تنهض الحجة به على الخصم خلافاً لبعض الجدليين. وإلى كون رده بالنسبة للخصم المخالف هو المختار. أشار في مراقي السعود بقوله:

ورده انتفى وقيل يقبل ... وفي التقدم خلاق ينقل

والضمير في قوله «ورده» راجع إلى لمركب بعينه وهذا هو الحق. فلا تنهض الحجة بقول الشافعي إن العلة في تحريم الربا في البر الطعم - على الحنفي والحنبلي القائِلينِ إنها الكيل كالعكس وهكذا. أما في حق المجتهد ومقلِّديه فظنه المذكور حجة ناهضة له ولمقلديه. واعلم أن لحصر اوصاف المحل طِرقاً.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير