تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

منها أنْ يكون الحصر عقلياً كما قدمنا في آية {أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الخالقون} [الطور: 35]. وكقولك: إما أنْ يكون النَّبي صلى الله عليه وسلم عالماً بهذا الأمر الذي تدعوا الناس إليه أو غير عالم به: كما يأتي إيضاحه. فأوصاف المحل محصورة في الأمرين المذكورين إذا لا ثالث البتة. أنه لا واسطة بين الشيء ونقيضه كما هو معروف. ومنها أن يدل على الحصر المذكور إجماع. ومثل بعض الأصوليين بإجبار البكر البالغة على النكاح عند من يقول به. فإن علة الإجبار إما الجهل بالمصالح، وأما البكارة: فإن قال المعترض: أين دليل حصر الأوصاف في الأمرين؟

أجيب - بأنه الإجماع على عدم التعليل بغيرهما فلو ادعى المستدل حصر أوصاف المحل، فقال المعترض: أين دليل الحصر؟

فقال المستدل بحثتُ بحثاً تاماً عن أوصاف المحل فلم أجد غير ما ذكرت، أو قال: الأصل عدم غير ما ذكرت، فالصحيح أن هذا يكفيه في إثبات الحصر. فإن قال المعترض: أنا أعلم وصفاً زائداً لم تذكره. قيل له: بينه، فإن لم يبينه سقط اعتراضه. وإن بيَّن وصفاً زائداً على الأوصاف التي ذكرها المستدل بطل حصر المستدل بمجرد إبداء المعترض الوصفَ الزائد. إلا أن يبين المستدل أنه لا يصلح العلية فيكون إذاً وجوده وعدمه سواءً. وقول من قالك أنه لا يكفيه قوله: بحثتُ فلم أجد غير هذا - خلاف التحقيق. وأشار في مراقي السعود إلى هذا المسلك من مسالك العلة بقوله:

والسبر والتقسيم قسم رابع ... أن يحصر الأوصاف فيه جامع

ويبطل الذي لها لا يصلح ... فما بقي تعيينه متضح

معترض الحصر في دفعه يرد ... بحثت ثم بعد بحثي لم أجد

أو انعقاد ما سواها الأصل ... وليس في الحصر لظن حظل

وهو قطعي إذا ما نميا ... للقطع والظني سواه وعيا

حجية الظني عند الأكثر ... في حق ناظر وفي المناظر

إن يبد وصفاً زائداً معترض ... وفي به دون البيان الغرض

وقطع ذي السبر إذاً منحتم ... والأمر في إبطاله منبهم

وقوله في هذه الأبيات «في حق ناظر وفي المناظر» محله ما لم يدع المناظر علة غير علته، وإن ادعاها فلا تكون علة أحدهما حجة على الآخر، كما أوضحناه آنفاً، وكما أشار له بقوله المذكور آنفاً «ورده انتفى. .» الخ.

وإذا حصل حصر أوصاف المحل فإبطال غير الصالح منها له طرق معروفة:

(منها) بيان أو الوصف طردي محض، إما بالنسبة إلى جميع الأحكام كالطول والقصر، البياض والسواد، أو بالنسبة إلى خصوص الحكم المتنازع في ثبوته أو نفيه، كالذكورة والأنوثة بالنسبة إلى آيات العتق، فإنه لا فرق في أحكام العتق بين الذكر والأنثى، لأن الذكورة والأنوثة بالنسبة إليه وصفان طرديان وإن كانا غير طرديين في غير العتق كالإرث والشهادة، والقضاء وولاية النكاح.

فإن الذكر في ذلك ليس كالأنثى. ويعرف كون الوصف طردياً (اي لا مدخل له في التعليل أصلاً) باستقراء موارد الشرع ومصادره، أما مطلقاً، وإما في بعض الأبواب دون بعضها كما قدمناه آنفاً.

ومثال إبطال الطردي في جميع الأحكام - ما جاء في بعض روايات الحديث في المجامع في رمضان. فإن في بعض الروايات أنه أعرابي. وفي بعضها أنهُ جاء ينتف شعره ويضرب صدره. والقاعدة المقّرَّرة في الأصول: أن المثال لا يعترض. لأن المراد منه بيان القاعدة. ويكفي فيه الفرض ومطلق الاحتمال، كما أشار له في مراقي السعود بقوله:

والشأن لا يعترض المثال ... إذ قد كفى الغرض والاحتمال

فإذا عرفت ذلك فاعلم: أنه كونه أعرابياً، وكونه جاء يضرب صدره وينتف شعره من أوصف المحل في هذا الحكم وهي أوصاف يجب إبطالها وعدم تعليل وجوب الكفار بها. لأنها أوصاف طردية لا تحصل من إناطة الحكم بها فائدة أصلاً، فالأعرابي وغيره في ذلك سواء. ومن جاء في سكينة ووقار، ومن جاء يضرب صدره وينتف شعره في ذلك سواء أيضاً. ومثال الإبطال يكون الوصف طريداً في الباب الذي فيه النزاع دون غيرهِ وحديث «من أعتق شركاً له في عبد وكان له مال يبلغ ثمن العبدِ قوم العبد عليه قيمة عدل، فأعطى شركاءه حصصهم وعتق عليه العبد. .» الحديث، وهو متفق عليه من حديث ابن عمر، وقد قدمنا في سورة «الإسراء والكهف» فلفظُ العبد الذكر في هذا الحديث وصف طردي فمن أعتق شركاً له في أمة فكذلك. لأنه عرف من استقراء الشرع أن

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير