{قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنعام: 145].
دلت هذه الآيات الكريمات على أن الأصل في الأشياء الحل من طعام وشراب وغيرها؛ ولأن الله تعالى خلق لنا ما في الأرض جميعا ننتفع به بكل وجوه الانتفاعات، من أكل وشرب واستعمال، وفصل لنا ما حرم علينا، فما لم يذكر في الكتاب والسنة تحريمه فهو حلال، وأباح لنا كل طيب، وحرم علينا كل خبيث.
فمن الخبائث المحرمة الميتة - سوى ميتة الجراد والسمك - وهي ما مات حتف أنفه أو ذكي ذكاة غير شرعية، والدم المسفوح كما قيدته الآية الأخرى، وأما الدم الذي يبقى في اللحم والعروق بعد الذبح فإنه طيب حلال {وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} بأن ذبح لغير الله من أصنام وملائكة أو إنس أو جن أو غيرها من المخلوقات.
ومن الخبائث كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير كما صح بذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن الميتة {وَالْمُنْخَنِقَةُ} أي: التي تخنق بالحبال أو غيرها، أو تختنق فتموت، {وَالْمَوْقُوذَةُ} وهي التي تضرب بالحصى أو بالعصا حتى تموت، ومن هذا إذا رمى صيدا فأصاب الصيد بعرضه فقتله، {وَالْمُتَرَدِّيَةُ} وهي التي تسقط من موضع عال كسطح وجبل فتموت، {وَالنَّطِيحَةُ} التي تنطحها غيرها فتموت بذلك، وما أكله ذئب أو غيره من السباع، وكل هذه المذكورات إذا لم تدرك ذكاتها، فإن أدركها حية فذكاها حلت؛ لقوله: {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} وسواء غلب على الظن بقاؤه أو تلفه إذا لم يُذَكّ أم لا.
ومن المحرمات الحشرات وخشاش الأرض من فأرة وحية ووزغ، ونحوها من المستخبثة شرعا وطبا.
ومن المحرمات ما ذكي ذكاة غير شرعية، إما أن الذابح غير مسلم ولا كتابي، وإما أن يذبحها في غير محل الذبح وهي مقدور عليها، وإما أن لا يقطع حلقومها ومريها، وإما أن يذبحها بغير ما ينهر الدم أو بعظم أو ظفر، وما أمر الشارع بقتله أو نهى عن قتله دل على تحريمه وخبثه.
وكل هذه الأشياء تحريمها في حال السعة، وأما إذا اضطر إليها غير باغ لأكلها قبل أن يضطر، ولا متعد إلى الحرام، وهو يقدر على الحلال، فإنه إذا اضطر إليها غير باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم، من رحمته أباح المحرمات في حال الضرورة.
ومن رحمته وسع لعباده طرق الحلال، فأباح الصيد إذا جرح في أي موضع من بدنه، وأباح صيد السهام إذا سمى الرامي عند رميها، وأباح أيضا صيد الكلاب المعلمة والطيور المعلمة، والتعليم يختلف باختلاف الحيوانات، قال العلماء: تعليم الكلب أن يسترسل إذا أرسل وينزجر إذا زجر، وإذا أمسك لم يأكل من صيده لقوله: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ} أي: عند إرسالها لقصد الصيد.
فتأمل كيف استطاع أن يجمع ويرتب ويعرض هذه المسائل مجتمعة بعبارة موجزة وأسلوب سهل
أما منهجه في ذكر قصص الأنبياء فقد سار على طريقة ترتيب الأحداث قدر اجتهاده وما أداه إليه فهمه فجاء عرضه سلسا مرتبطا بعضه ببعض ثم يختم القصة بما احتوته من فوائد.
وختام هذا العرض الموجز ألخص ما امتاز به الكتاب من ميزات للباحث أو القارئ في التفسير الموضوعي:
1 – شموله: حيث احتوى على مواضيع متعددة ومتنوعة من مواضيع القرآن الكريم.
2 - الترتيب المنطقي في عرض الموضوع.
3 – مهارته في صياغة التفسير على وجه العموم وفي حال اختلاف الأقوال على وجه الخصوص, وذلك بعد اختياره للمعنى الذي يترجح إليه مع الإشارة لها بأسلوب بتنبه له طالب العلم, ولا يشغل القارئ أو العامي به.
4 – هذا الكتاب ينمي ملكة ومهارة الكتابة في التفسير الموضوعي للباحثين.
5 – كما يعين هذا الكتاب كثيرا في رسم خطة بحث في التفسير الموضوعي لأي موضوع من المواضيع التي تطرق لها.
6 – هذا الكتاب من النماذج المتميزة لترجمته إلى لغات أجنبيه حيث يعرض مواضيع القرآن وأحكامه عرضا مؤصلا مبنيا بعضه على بعض – وهذا هو الغرض من الترجمة –.
هذه نتف يسيرة, والمقصود من ذلك الالتفات لهذا الكتاب بالقراءة والمدارسة في مجال التفسير الموضوعي
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه
ـ[عمر المقبل]ــــــــ[21 Jan 2010, 02:41 م]ـ
بارك الله فيك ..
من تجربة خاصة مع هذا الكتاب، فإني أرى أنه من أنفع ما يكون لإمام المسجد الذي يقرأ على جماعته بعد العصر أو بين أذان العشاء وإقامته، بحيث ينتقي بعض الموضوعات، خاصة ما يتصل بالقصص القرآني، فإن الشيخ ـ رحمه الله ـ نسج القصص في سياق واحد، سهل العبارة، واضح البيان، ثم يتبعه بذكر أهم الدروس والعبر.
والذي أراه: إن كان الحديث بعد العصر أن يقتطف من تلك الدروس، ولا يسردها سرداً في مجلس واحد أو مجلسين، بل ينتقي فائدة أو فائدتين؛ ليكون ذلك أوعى لعامة الناس، وأكثر فهماً لها.
وهذا من أسهل الطرق لتقريب معاني القرآني بشكل مجمل وموضوعي، وهذا هو المناسب لعموم الناس، وهذا لا يمنع من التعرض لبعض الآيات التي تلامس واقعهم، وسيرى المتحدث الموفق العجائب في تفاعل الناس.
¥