تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[العليمى المصرى]ــــــــ[27 Jan 2010, 07:20 م]ـ

والآن بعد هذا العرض التفصيلى يمكن أن نستنتج ما يلى:

1 - أن بكة هو الاسم القديم لمكة الذى كانت معروفة به زمن النبى داود عليه السلام والذى ذكرها به فى زبوره

2 - أن هذا الاسم كان معروفا لبنى اسرائيل الذين استوطنوا فى جزيرة العرب قبل الاسلام وأنهم عرفوا به من الزبور الذى هو أحد أهم كتبهم المقدسة

3 - أن العرب قد سمعوا منهم هذا الاسم (بكة) واستعملوه فى محادثاتهم معهم فصار هذا الاسم معربا قبل نزول القرآن

4 - أن ذكر القرآن لمكة بهذا الاسم جاء ليؤكد لأهل الكتاب قداسة المسجد الحرام وليذكرهم بما ورد عنه فى كتبهم المقدسة، وخاصة وأنهم كانوا يعطون كل القداسة للمسجد الأقصى ولا يقبلون أن يتخذوا غيره قبلة لهم، ومعلوم موقفهم من المسلمين ازاء تحويل القبلة والذى فصلته لنا سورة البقرة

بل لماذا نذهب بعيدا الى سورة البقرة؟!

ان هذه الآية بذاتها (آل عمران - 96) والتى أوردت اسم (بكة) الشريفة انما ترد هى كذلك على اعتراض اليهود على تحويل القبلة

والنظر الى السياق الذى وردت فيه يؤكد ذلك، بل وأقوال المفسرين أيضا تؤكد ذلك

يقول الشهيد سيد قطب يرحمه الله فى تفسيره لهذه الآية الكريمة ما يلى:

((في هذا الدرس تبلغ المعركة ذروتها. معركة الجدل والمناظرة مع أهل الكتاب. . . . ويبدأ الدرس بتقرير أن كل الطعام كان حلاً لبني إسرائيل - إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة. . . ثم يرد كذلك على اعتراضهم على تحويل القبلة - ذلك الموضوع الذي استغرق مساحة واسعة في سورة البقرة من قبل - فيبين لهم أن الكعبة هي بيت إبراهيم؛ وهي أول بيت وضع للناس في الأرض للعبادة، فالاعتراض عليه مستنكر ممن يدعون وراثة إبراهيم! وعقب هذا البيان يندد بأهل الكتاب لكفرهم بآيات الله، وصدهم عن سبيل الله؛ ورفضهم الاستقامة، وميلهم إلى الخطة العوجاء، ورغبتهم في سيطرتها على الحياة، وهم يعرفون الحق ولا يجهلونه))

ثم يزيد الأمر تفصيلا بقوله:

((كذلك كان اليهود يبدئون ويعيدون في مسألة تحويل القبلة إلى الكعبة، بعد أن صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بيت المقدس حتى الشهر السادس عشر أو السابع عشر من الهجرة .. ومع أن هذا الموضوع قد نوقش مناقشة كاملة وافية في سورة البقرة من قبل، وتبين أن اتخاذ الكعبة قبلة للمسلمين هو الأصل وهو الأوْلى، وأن اتخاذ بيت المقدس هذه الفترة كان لحكمة معينة بينها الله في حينها .. مع هذا فقد ظل اليهود يبدئون في هذا الموضوع ويعيدون، ابتغاء البلبلة والتشكيك واللبس للحق الواضح الصريح. . . وهنا يرد الله عليهم كيدهم ببيان جديد:

{قل: صدق الله، فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفاً، وما كان من المشركين. إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين. فيه آيات بينات: مقام إبراهيم، ومن دخله كان آمناً ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا. ومن كفر فإن الله غني عن العالمين} ..

ولعل الإشارة هنا في قوله: {قل صدق الله .. } تعني ما سبق تقريره في هذا الأمر، من أن هذا البيت بناه إبراهيم وإسماعيل ليكون مثابة للناس وأمناً، وليكون للمؤمنين بدينه قبلة ومصلى: ومن ثم يجيء الأمر باتباع إبراهيم في ملته. وهي التوحيد الخالص المبرأ من الشرك في كل صورة:

{فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفاً، وما كان من المشركين}.

ثم يقرر أن الاتجاه للكعبة هو الأصل. فهي أول بيت وضع في الأرض للعبادة وخصص لها، مذ أمر الله إبراهيم أن يرفع قواعده .. وأن يخصصه للطائفين والعاكفين والركع السجود. وجعله مباركاً وجعله هدى للعالمين، يجدون عنده الهدى بدين الله ملة إبراهيم. وفيه علامات بينة على أنه مقام إبراهيم

ثم يقرر أن الله فرض على الناس أن يحجوا إلى هذا البيت ما تيسر لهم ذلك، وإلا فهو الكفر الذي لا يضر الله شيئا:

{ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا. ومن كفر فإن الله غني عن العالمين}.

ويلفت النظر - في التعبير - هذا التعميم الشامل في فرضية الحج: {على الناس} .. ففيه أولاً إيحاء بأن هذا الحج مكتوب على هؤلاء اليهود الذين يجادلون في توجه المسلمين إليه في الصلاة. على حين أنهم هم أنفسهم مطالبون من الله بالحج إلى هذا البيت والتوجه إليه، بوصفه بيت أبيهم إبراهيم، وبوصفه أول بيت وضع للناس للعبادة. فهم - اليهود - المنحرفون المقصرون العاصون

بعد هذا البيان يلقن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يتجه إلى أهل الكتاب بالتنديد والتهديد، على موقفهم من الحق الذي يعلمونه، ثم يصدون عنه، ويكفرون بآيات الله. وهم شهداء على صحتها، وهم من صدقها على يقين:

قل: يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله، والله شهيد على ما تعملون؟ قل يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجاً وأنتم شهداء؟ وما الله بغافل عما تعملون)) انتهى: من تفسير الظلال.

أعتقد أن الأمر قد أصبح الآن من الوضوح بعد الذى نقلناه من تفسير الظلال، حيث تبين لنا سر ايثار القرآن لهذه اللفظة فى هذا السياق الذى يخاطب بنى اسرائيل ويذكرهم فيه بقداسة بيت الله الحرام منذ أيام الخليل ابراهيم صلى الله عليه وسلم والذى يدعون أنه أبوهم وقدوتهم وأسوتهم

ومع ذلك أقول: هذا اجتهادى الشخصى، فان أصبت فيه فبتوفيق منه سبحانه وله الحمد من قبل ومن بعد

وان كانت الأخرى فمن نفسى، وصل اللهم وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير