تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[زهير هاشم ريالات]ــــــــ[26 Jan 2010, 01:24 ص]ـ

للفاضل ابن عاشور كلام نفيس حول هذه الموضوعات في (التفسير ورجاله) هذا بعضه:

وكان المنهج المتبع في تصنيف البيضاوي، والأسلوب المحتذى في تحريره: هما المنهج والأسلوب اللذين جرى عليهما مصطلح التآليف العلمية في عامة الفنون، من أول القرن السابع: من حيث الاختصار، ودقة التعبير، والتزام المصطلح العلمي، والإشارة إلى ما يتفرع عن التعبير من معان يُكتفى بحضورها في الذهن عن ذكرها، ثم تؤخذ مباني لما يأتي به التعبير بعدها ..

فأصبح من مجموع هذه الخصائص لتفسير البيضاوي ميزة واضحة، مزجت بين طريقته ومألوف الطباع، ومتعلق الميول يومئذ: من طرائق شاعت في التأليف، وبنيت عليها المناهج الدراسية.

وبذلك عظم صيت الكتاب، وطار ذكره، وأقبل الناس عليه، إذ وجدوا فيه الضالة المنشودة من التفسير العلمي على الطريقة التحليلية اللفظية، التي عظمت بها من قبل شهرة تفسير الكشاف، لا سيما والبيضاوي قد مشى مع تفسير الكشاف في ما يحب الناس منه، وخلص أو كاد، مما ينفرهم من الكشاف ويباعد بينه وبينهم على نحو قول الأحوص:

إني لأمنحك الصدود وإنني

قسماً إليك مع الصدود لأميل

وإنه لما يلاحظ في هذا الصدد: أن تفسير الكشاف لم يعظم رواجه، ويتعلق به علماء السنة هذا التعلق المزيج من الحب والحذر، إلا في ذلك القرن السابع، إذ انصرف الكاتبون إلى التعليق عليه بالتنبيه على مواقع الأنظار الاعتزالية منه، وتمييزها، وردها، إذ ظهر من هؤلاء في النصف الثاني من القرن السابع، معاصرون للبيضاوي أو متقدمون عليه بقليل، أمثال ابن المنير الإسكندري صاحب " الانتصاف ".فكان بروز البيضاوي بتفسيره ملخصاً من الكشاف، زائداً عليه، مبرأ من سقطاته، برداً وسلاماً على تلك القلوب التي كانت تهفو إلى الكشاف وتتهيبه.

وبذلك أصبح تفسير البيضاوي، منذ اشتهاره ورواجه، مروجاً للكشاف، مدخلاً إياه في معاهد وبيئات علمية لم يكن يتصل بها من قبل.

لأن الدارسين للبيضاوي قد تعلقوا، في سبيل إتقان دراسته، والوفاء بحق البيان لإشاراته، والكشف عن مرامي عباراته، إلى الوقوف على كلام صاحب الكشاف وتتبعه وتحليله، فأصبحت دراسة البيضاوي دراسة للكشاف بواسطة. وبذلك لم تتوفر حواشي الكشاف إلا في القرن الثامن وما بعده، ولم تطلع غالباً إلا من الآفاق العلمية التي كانت مستنيرة بالبيضاوي وتأليفه.

بحيث أصبحت الأنظار متجاذبة، والبحوث متبادلة، باطراد، بين حواشي الكشاف وحواشي البيضاوي كأن محرريها مجتمعون في مجلس واحد، على نحو ما يُرى من مباحث جدلية بين حواشي ابن التمجيد، والعصام، وسعدي، وعبد الحكيم السيالكوتي على البيضاوي. مع حواشي الطيبي والقطبين: الرازي والشيرازي، والسعد التفتازاني والسيد الجرجاني على الكشاف.

حتى إن كلام الواحدة من تلك الحواشي، على الكشاف كانت أو على البيضاوي، لا يكاد يتضح معناه إلا بالوقوف على كلام الأخرى من حواشي البيضاوي أو حواشي الكشاف كذلك.

وما هذا المعنى من النماذج إلا أثر تلك الدروس الحافلة لتفسير البيضاوي التي استوعب فرسان ميادينها ما حول الكتابين: تفسير البيضاوي والكشاف فعرضوها في معرض التقرير الحكيم، ثم ناقشوها بالنقد والمقارنة والمعارضة، حتى اتصل ما بين بعضها وبعض في تلك المجالات التقريرية العالية، اتصالاً كون بينها لحمة نظرية، فجعلها عناصر وحدة موضوعية متكاملة، وبذلك كان كل جيل من أجيال العلماء ينقضي يترك وراءه من تلك البحوث الصعبة أوقاراً على ظهور الجيل الناشئ يزيد بها تدريس البيضاوي على متعاطيه مشقة وصعوبة، حتى أصبح تدريسه منتهى مبلغ الهمم العالية، وميزان الملكات والمواهب، فوضع في أعلى الهيكل الهرمي لمواد التخرج في العلوم الإسلامية، وعمت منزلته تلك أقطار الإسلام في المشارق والمغارب، فتأصلت منزلته أولاً في الشرق الأوسط، والشرق الأقصى، وانتظم في المناهج الدراسية ببلاد فارس، وبلاد الأفغان، والأقطار الهندية، ثم كان في جملة ما تسرب من الملتزمات التعليمية من البلاد الفارسية إلى آسيا الصغرى وعموم الممالك العثمانية واشتهر بمصر من قبل الفتح العثماني إذ كان من الكاتبين عليه من العلماء المصريين، في أواخر القرن التاسع وأوائل العاشر، القاضي زكريا الأنصاري، والإمام السيوطي، وعظم شأنه في القرن العاشر بانتظام أهم معاهد العلم في البلاد العربية في تاج الخلافة العثمانية، وخاصة الجامع الأزهر، وجامع الزيتونة.

وبذلك تقاربت مناهج التعليم، بين البلاد الإسلامية كلها، على الطريقة الأعجمية، فأصبح تفسير البيضاوي ملتزم التدريس من أقاصي الهند إلى المغرب الأقصى، وزاد اعتزازاً بالحاشيتين الشهيرتين اللتين كتبتا عليه:

إحداهما بلاهور عاصمة بلاد البنجاب من الباكستان الغربية وهي: حاشية المحقق عبد الحكيم السيالكوتي، التي سارت مثلاً في التحقيق، والتحليل، وصواب النظر، ورشاقة العبارة، والإغراق في الإشارة حتى اعتبرت عنقاء الدارسين وآبدة الناظرين.

والحاشية الثانية من حواشي القرن الحادي عشر: هي حاشية العلامة المصري، الأزهري النشأة، شهاب الدين الخفاجي، التي سماها: " عناية القاضي وكفاية الراضي " وهي تامة، بخلاف حاشية عبد الحكيم، وواسعة، كثيرة المباحث والفوائد، وسعت دائرة تفسير البيضاوي علماً، أكثر مما وسعتها نقداً وبحثاً.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير