كنت غير مندفع إلى زيارته ولكني كنت أجد في نفسي أحيانا ما يجعلني أفكر بزيارته , كان يسكن في شقة في عمارة صغيرة وحده , كنت قد مررت عليه في مساء أول أيام العيد فلم أجده , قلت أذهب إليه بعد الظهر هذا اليوم , فهو قد زارنا قبل العيد بيوم أو يومين لم يكن مكانه بعيداً عن الشقة التي نسكنها، ورغم ذلك فقد ركبت إليه بـ (بالأوتوبيس) وصعدت السلم إلى الدور الرابع أو الخامس وأحسست ببعض التعب , وقفت أمام الباب لحظات قبل أن أضغط على مفتاح الجرس , وأحسست أن في البيت أحداً ضغطت على الجرس فهدأت فجأة الأصوات وانتظرت الجواب , ومرت فترة يبدو أنها قد طالت , وسمعت صوتاً ينبعث من خلف الباب: (مِنُو هَاذْ) , قلت: أنا فلان، فإذا بالشباك الصغير في الباب ينفتح وكأنه يريد أن يتأكد من هذا الطارق , خفق قلبي لهذه المواقف وفتح الباب، ولكني تسمرت في مكاني وأحسست أن أطرافي قد تخدرت كنت أود ألا أصافحه مد يده أخذ يدي وأنا صامت، وسرت خطوات بعد تلك اللحظة التي رأيت عند فتح الباب ما ساءني فيها , وجلست قلقاً على مقعد في " الهول " وراح هو على ما يبدو يعالج الموقف , ولكن وجهه قد امتقع وأطرافه ترتعش ويحاول أن يغطي على الموقف بكلامه وثرثرته , أما أنا فلم أحاول الكلام أو التعليق , وبعد قليل مضيت لسبيلي وأنا أحدث نفسي عن هؤلاء الذين يقولون ما لا يفعلون عن هؤلاء الذين يأمرون الناس بالمعروف وهم يتعاطون المنكرات , مضيت وأنا أحدث نفسي أن إنساناً لا يصلي ولا يؤمن بالله وبكتابه حق الإيمان ليس جديراً بأن يجعل له في القلب أقل احترام بله الزيارة وإنفاق الوقت الثمين.
قراءة في لسان العرب
الثلاثاء 8 كانون الثاني 1974م = 15 ذو الحجة 1393هـ
ذهبت صباح اليوم إلى مكتبة جامعة القاهرة وعملت على تدوين عدد من أسماء المصادر والكتب التي تبحث في علم اللغة , وعندما خرجت مررت بمكتبة في الدقي ورأيت فيها كتاباً بالإنجليزية مطبوعاً في مصر، عنوانه أصوات اللغة الإنكليزية , وطلبت من صاحب المكتبة أن يريني إياه , وهو مطبوع بالآلة الكاتبة ومسحوب بالرونيو على ما يبدو، وقد اشتريته على أمل دراسته وأن يكون بداية لي في قراءة بعض الكتب الإنجليزية في علم اللغة وإن كانت بداية صعبة (بـ 65 قرشاً) , اليوم انتهت عطلة العيد التي امتدت منذ يوم الاثنين، هنا عطلة العيد أسبوع كامل على ما يبدو، تبدأ قبل العيد بيوم أو يومين وتنتهي بعده كذلك، كنت طوال فترة العيد أقرأ في لسان العرب محاولاً إنجاز البحث الذي كلفنا به الدكتور عبد الصبور شاهين، وهو قراءة جزء من لسان العرب وتدوين ما قال عنه إنه لغة أو لثغة، أي ما خرج عن الفصحى من ظواهر لهجية وما إليها , وقد كان عليَّ قراءة الجزء الثاني من طبعة بيروت , أحاول أن أنجز هذا العبء لأتحول إلى غيره من البحوث والدروس، والكتب التي اشتريتها قبل العيد لا تزال تنتظر، وأنا أَعِدُ نفسي بأن أقرأها كلها ولكن يبدو أن ذلك لن يتم إلا بعد مضي فترة طويلة على الأقل، إن لم تكن قراءة بعضها مستحيلة , على الأقل أقرأ ما هو ألصق باللغة منها , ولدي بحث في الأصوات، عن الأصوات عند ابن يعيش، أيضاً أحاول بعد إنهاء بحث اللسان إكماله، مضيت إلى الآن في لسان العرب إلى الثلث تقريباً , ولكن هناك مشكلة ميدانية وهي أنه يصعب أحياناً تحديد الظاهرة بالضبط مما يسبب بعض الاضطراب، والمهم أن أكمل تحديد الظواهر.
صلاة الجمعة في مركز الإطفاء
الجمعة 11 كانون الثاني 1974م = 18 ذو الحجة 1393هـ
حدث أن كنت وقت صلاة الجمعة في ميدان العتبة أو قريباً منه , وسمعت قارئ القرآن يرتل قريباً مني , وظننت أن البناية المجاورة لي هي مسجد حاولت أن أجد المدخل فخاب ظني حين وجدت أنها ليست مسجداً بل هي أبعد ما تكون عن هذه المباني .. وأسرعت خشية انقضاء الوقت وفجأة وجدت الحصر تمتد إلى الشارع وإذا هي صلاة الجمعة في مسجد صغير تابع أو ملحق بمركز الإطفاء العام في القاهرة في ميدان العتبة , المهم أن أؤدي الصلاة، ودخلت فإذا بالمسجد كأنه في الميدان (ميدان قتال) رجال الإطفاء بملابسهم والسيارات الحمراء تصافح المصلين والمسجد يبدو قد أقيم في شقة في مستوى الأرض فهو يظهر عليه ذلك من تعدد شعبه، وتذكرت قولاً عرفناه في تأريخ الحضارة الإسلامية أنه صار لكل
¥