مدرسة مسجد يناسبها، وهنا في القاهرة يبدو أن لكل دائرة مسجداً يناسبها أيضاً، والآن في العراق لا يمكن أن تجد أحداً يفكر في إنشاء مسجد في أكبر دائرة، جلست وقارئ من أحد رجال الإطفاء يقرأ القرآن كأحسن ما تكون القراءة، وأُذِّنَ الأذان الأول وامتلأ المسجد بالمصلين من رجال الإطفاء ومن الطارئين أمثالي , ووقف الخطيب، وهناك أغلاط فقهيه كان يجب تلافيها، ولكن يبدو أن قلة فقه هؤلاء العمال قد جعلتها تستقر , صعد الخطيب وأخذ كراساً مطبوعاً وفتح صفحة وراح صوته يدوي، صوت جهوري بحيث غطى على أغلاطه اللغوية حتى في الآيات القرآنية , وهذه الطريقة في خطبة الجمعة يُضْرَبُ بها المثل , ثم والإمام يخطب حضر كبير الدائرة وهو بزيه العسكري برتبة مقدم، فإذا القوم يرفعون أيديهم وهم جلوس يحيونه ويوسعون له في الصف الأول، وجلس وراح يدردش فترة والإمام يخطب، ومَن دردش فقد لَغَا ومَن لَغَا فلا صلاة له .. ظاهرة طيبة يُخْشَى عليها من الجهل.
النبر في العربية
السبت 12 كانون الثاني 1974م = 19 ذو الحجة 1393هـ
قبل أيام لاحظت لافتة معلقة في إحدى جنبات الكلية فيها إعلان عن مناقشة رسالة دكتوراه موضوعها النبر في العربية في العصر الحاضر، تجري في كلية اللغة العربية في جامعة الأزهر في قاعة العقاد، وموعدها مساء هذا اليوم فقلت في نفسي أحضرها فموضوعها بعض ما ندرس ثم ما يمكن أن أستفيده للمستقبل من حضور مثل هذه المناقشة، وبعد الغروب خرجت من البيت بحي الإعلام واضطررت إلى أخذ تكسي حتى لا يفوتني شيء , صليت المغرب في الجامع الأزهر ومضيت إلى كلية اللغة العربية التي تضمها بنايات جامعة الأزهر، ودخلت الباب الرئيسي وكان هناك ما يسمى بالعسكري سألته عن قاعة العقاد فأشار إلى بناية مجاورة ودردش معها كلمات وفهمت أن القاعة في هذه البناية انحرفت يميناً ودخلت البناية فإذا هي في إحدى جنباتها قاعة كبيرة وفيها بعض الأفراد وهم على ما يبدو حضروا لمشاهدة مناقشة رسالة ودخلت ولم أشك أني قد ضللت الطريق، فهذه أجهزة الصوت وهؤلاء المشاهدون والساعة تقترب من السادسة حيث سيدخل الطالب ومعه الأساتذة المناقشون، ولم تمض إلا فترة وجيزة حتى أصبت بخيبة أمل حين دخل الطالب والأساتذة المناقشون ولم يكن أحدهم الدكتور كمال بشر عميد كلية دار العلوم، وحاولت أن أجد لذلك تعليلاً بعد أن ظهر أن الرسالة في الفلسفة عن الغزالي قلت لعل صاحب النبر قد تأجلت مناقشة رسالته وبعد أن أنهى الطالب كلمته خرجت على استحياء وسألت بعض من هو واقف بالباب فإذا أنا قد دخلت في قاعة محمد عبده وأن قاعة العقاد في طريق آخر، وأسرعت فوجدت القاعة غاصة والمناقشات على أشدها، ولكن لم أمكث إلا القليل من الوقت، ومَضَيْتُ.
نشرت هذه الحلقة يوم الجمعة 14/ 2/1431هـ
ــــــ الحواشي ـــــــــــ:
(1) تركت الدراسة في قسم علم اللغة في الأسبوع الأول من الدوام، والتحقت في قسم النحو، بناء على المناقشة التي جرت مع الدكتور أمين حول الموضوع، لكن ذلك لم يدم طويلاً، إذ إني رجعت إلى قسم علم اللغة بعد أيام قليلة.
(2) لم تسعفني الذاكرة الآن لمعرفة الأخ حسن أبو أسامة، جزاه الله تعالى كل خير.
(3) يبدو أنه الشيخ الدكتور عبد الغني عبد الخالق، العالم الأزهري الأصولي، صاحب كتاب حجية السنة، وغيره، وقد زرته لاحقاً في بيته، وأفدت من مكتبته، رحمه الله تعالى.
(4) كان ذلك في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، وتضاءلت محاسبة المرتشين حتى صارت ظاهرة شائعة في العراق، بعد الاحتلال خاصة، وصار الموظف النزيه في دوائر الدولة أقل من القليل.
(5) لا تزال هذه النسخة في مكتبتي، وقد أفدت منها كثيراً، والحمد لله.
(6) تجددت صلتي بالأخ علي أبو زياد بعد أن سكنت تكريت، بعد انتقالي إلى جامعة تكريت، وهو يسكن تكريت أيضاً بعد تقاعده من الوظيفة في وزارة الزراعة، وفقه الله.
حلقات سابقة:
1 - ذكريات غانم قدوري الحمد ... (الحلقة الأولى) ( http://tafsir.org/vb/showthread.php?t=18525)
2- ذكريات غانم قدوري الحمد ........ (الحلقة الثانية) ( http://tafsir.org/vb/showthread.php?t=18581)
ـ[أبو يعقوب]ــــــــ[29 Jan 2010, 09:51 م]ـ
أشكر الشيخ الدكتور غانم قدوري الحمد على هذه الذكريات الماتعة النافعة جعلها الله في موازين حسناتك
ـ[الفجر الباسم]ــــــــ[30 Jan 2010, 03:03 ص]ـ
إن هذه الذكريات جميلة حقاً، وتحمل في طياتها الكثير من العبر والدروس، ولقد سعدت بهذه الحلقات، وأصبحت أنتظرها وأقرأها على ما في الوقت من ضيق، وأنا أثمن لك فضيلة الشيخ الموافقة على كتابتها، وأشكرك شكر من لا يجد ما يوفيك جزاء عملك إلا بالدعاء، فأسأل الله تعالى أن ينفع بك وبها، وأن يجعلها في موازين حسناتك.
كما لا يفوتني أن أشكر كل من سعى لإخراج هذا الكنز المدفون، وأسأل الله تعالى أن يبارك في جهودهم.
¥