ومعلوم أن الإعجاز العلمي اليوم وباعتراف أصحابه يعاني مشكلات منهجية كبرى وليس هنا موضع شرح ذلك
لكن قل يا أبا حسان هل صعوبة التنفس بسبب انخفاض الضغط الجوي وقلة الأوكسجين يسمى "ضيق الصدر" في لغة العرب وفي القرآن؟
وهل في هذه الحالة يضيق الصدر أم تضيق الرئة؟
وهل ضيق الرئة بسبب قلة الأوكسجين يسبب ضيقا في الصدر كله؟
وهل انكماش الرئة أو انتفاخها يسمى ضيقا وشرحا؟
الحقيقة العلمية صحيحة وهي انكماش الرئة بقلة الأوكسجين عند الارتفاع إلى أعلى لكن الآية لم تتعرض لهذا المعنى أصلا ودليل ذلك ما يأتي.
فضيق الصدر في قوله تعالى (فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن يَقُولُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاء مَعَهُ مَلَكٌ) لا يعني قلة الأوكسجين الداخل إلى الرئة
وضيق الصدر في قوله تعالى (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ) لا يعني قلة الأوكسجين الداخل إلى الرئة
وضيق الصدر في قوله تعالى على لسان موسى عليه السلام (وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ) لا يعني قلة الأوكسجين الداخل إلى الرئة
وضيق الصدر في قوله تعالى (كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ) لا يعني قلة الأوكسجين الداخل إلى الرئة
وضيق الصدر في قوله تعالى (أَوْ جَآؤُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُواْ قَوْمَهُمْ) لا يعني قلة الأوكسجين الداخل إلى الرئة
وضيق الصدر معروف عند العرب ومعناه معروف قال السموأل
ضيق الصدر بالخيانة لاينق * ص فقري أمانتي ما بقيت
رب شتم سمعته فتصامم * ت وغي تركته فكفيت
وما زال ضيق الصدر معروفا لا يحتاج فهمه إلى أوكسجين
وكذلك "شرح الصدر" الذي يقابل الضيق
قال تعالى (وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا) أي: طابت نفسه له
وقال عن موسى (قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي)
وقال (أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)
ومعنى الآية " موضوع النقاش " أنه كما لا يستطيع ابن آدم أن يبلغ السماء، فكذلك لا يقدر على أن يدخل التوحيد والإيمان قلبه وهذا قول ابن عباس الذي أخرجه عبد بن حميد وابن أبي حاتم وليس هو إجماعا للصحابة، ولكنه معنى صحيح، وأليق بسياق الآية.
فقوله تعالى (كأنما يصّعَّد في السماء) يصور حال الكافر الذي ضاق صدره وثقل عليه ما يدعى إليه من الإيمان كأنما كلف بالمستحيل وهو الصعود في السماء؛ رغم أن الأمر ليس كذلك؛ فالإيمان على من يستجيب له أمر سهل في فهمه والاقتناع به؛ إذ إن الحجة فيه ناصعة واضحة والكافر يمتنع منه الإيمان كما يمتنع منه الصعود. وقد جاء الفعل يصعد بالتشديد ليبين مدى الصعوبة والمشقة في الصعود، وكلمة الصعود نفسها تدل في لغة العرب على الصعوبة والمشقة، والصعود والصعوداء: العقبة الشاقة؛ قال تميم بن مقبل
وحدثه أن السبيل ثنية * صعوداء تدعو كل كهل وأمردا
صعوداء، من تلمع به اليوم يأتيها * ومن لا تله بالضحاء فأوردا
والصعود المشقة ومنه قوله تعالى (سأرهقه صعودا) أي: مشقة من العذاب، والصعود العقبة الكؤود وفي قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه "ما تصعدني شيء ما تصعدتني خطبة النكاح" أي ما بلغت مني وما جهدتني، وأصله من الصعود وهي العقبة الشاقة؛ يقال تصعده الأمر إذا شق عليه وصعب، والصعد المشقة، و"العذاب الصعد" في قوله تعالى "نسلكه عذابا صعدا" أي عذابا شاقا
وهولاء الصحابة يا أبا حسان كانوا أعرف بكلام العرب والمعنى المراد من كتاب الله أكثر بكثير مما يعرفه أهل العلوم الطبيعية وغيرهم.
أما قولك (أن الآية جاءت بصيغة الظرفية في قوله: (في السماء) وهذا يفيد بأن التصعد يكون حقيقة في ظرف السماء، ولو كان المعنى على ما قال ابن عباس لجاءت الآية بلفظ (إلى السماء)
كلام غريب!
فالآية جاء فيها تمثيل الكافر ضيق الصدر تجاه الإيمان بالذي كلف بالصعود إلى السماء وتكفيك كلمة "كأنما"
أما قوله تعالى "في السماء " فهي كقوله " أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء".
¥