تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[أبو عبيدة الهاني]ــــــــ[07 Feb 2010, 08:27 م]ـ

وقد وقفت على كلام للشيخ أحمد بن المنير رحمه الله تعالى، في حاشيته على الكشاف للزمخشري، فيه بغي وتحامل ظاهر على الزمخشري المعتزلي.

صاحب هذا الكلام يذكرني بشخص كان يكتب مقالات يحاول فيها النيل من الأشاعرة، لكنه يأتي بكلام "سخيف" يظهر فيه مدى عدم فهمه لكلام العلماء.

وفي الحقيقة فقط من لا يعرف الشيخ العلامة ابن المنير وشيوخه وتلاميذه ومكانته العلمية هو من يصدر عنه مثل هذا الكلام الذي لا ينطق به عاقل عرف قدر العلماء وعرف قدر نفسه بينهم، فاتهام العلامة ابن المنير بالبغي والتحامل على الزمخشري لا يصدر إلا من جاهل بمذهب الزمخشري وجاهل كقدر العلامة ابن المنير، وهذا ما حصل هنا للأسف الشديد.

قال الزمخشري: الحجة لازمةٌ لهم قبل بعثة الرُّسل، لأنّ معهم أدلةَ العقل التي بها يُعرف الله، وقد أغفلُوا النظرَ وهم متمكِّنُون منه، واستيجابُهُم العذابَ لإغفالهم النظر فيما معهم، وكفرهم لذلك، لا لإغفال الشرائع التي لا سبيل إليها إلا بالتوقيف، والعملُ بها لا يصح إلا بعد الايمان.

ألا يكفي هذا الكلام الواضح من الزمخشري الدال عنده على أن مجرد العقل هو الحجة على المكلف وليس إرسال الرسول كما صرحت الآية ونطق به أهل السنة؟؟ فإن الزمخشري بين أن كفر المكلف واستيجابه العذاب يكون قبل بعثة الرسل، أما بعثة الرسل فهي مجرد منبه لمن غفل عن النظر والمعرفة بالعقل، بحيث لو لم يرسل الله الرسول فالعذاب لازم لمن لم يعرف الله بعقله ولم يعرف يعرف وجوب تلك المعرفة بعقله، وهو خلاف مذهب أهل السنة كما ستعرف.

فكل من له أدنى علم واطلاع على مذهب المعتزلة وأحد أكبر أئمتهم الزمخشري يعرف بالبديهة أنهم لا يشترطون في الإلزام بمعرفة الله التي يترتب عليها الخلود في الجنة أو النار بلوغ دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن طالع مثلا كتاب المنهاج في أصول الدين للزمخشري يعرف ذلك يقينا، وهو في ذلك الكتاب جعل التكليف بمعرفة الله مقيدا بشرط واحد (وهو أن يقول: إن كان لي خالق قصد بهذه النعمة الإحسان إليَّ فهو مشكور- ولا يعرى من وجوبها مكلف). اهـ. ولم يذكر شرط بلوغ دعوة الرسول أبدا.

وهذا من أبجديات مذهب الزمخشري المعتزلي، كيف وقد صرح بذلك في تفسير الآية بقوله: (الحجة لازمةٌ لهم قبل بعثة الرُّسل) وهذا نقيض قول أهل السنة بأن الحجة لا تلزمهم إلا بعد مجيء الرسول؛ فقد قال الحافظ البغوي في تفسير آية الإسراء: وفي الآية دليل على أن ما وجب وجب بالسمع لا بالعقل. اهـ. وهذا الكلام بعينه نقله ابن كثير في تفسيره واعتمده، وكذا قال الواحدي من قبله. وهذا نقيض قول الزمخشري بأن الحجة لازمة بالعقل، اي بأن ما وجب من معرفة الله وجب بالعقل، وأنه لا يشترط بلوغ دعوة الرسول لتلزم الحجة، بل هي مجرد تنبيه للغافلين، والعذاب واقع بالغافلين حتى لو لم يبعث لهم رسول لأن العقل يحتم عليهم وجوب معرفة الله وجوبا يترتب عليه العذاب والعقاب.

وأهل السنة يفرقون بين إمكانية معرفة الله بالعقل قبل مجيئ الرسول، وبين لزوم معرفة الله بعد مجيئ الرسول، فالأول لا يترتب عليه العقاب إن لم تحصل المعرفة، والثاني يترتب عليه العقاب إن لم تحصل المعرفة.

أما الزمخشري فلا يفرق، بل يجعل مجرد إمكانية معرفة الله تعالى بالعقل ملزمة لمعرفة الله تعالى بحيث إن لم يحصل الإنسان البالغ تلك المعرفة استوجب العذاب السرمدي. وشتان بين مذهب الزمخشري ومذهب أهل السنة.

بل الشيخ العلامة الطاهر بن عاشور رد على الزمخشري والمعتزلة عموما فقال في تفسيره: "ودلت الآية على أن الله لا يؤاخذ الناس إلا بعد أن يرشدهم رحمة منه لهم. وهي دليل بين على انتفاء مؤاخذة أحد ما لم تبلغه دعوة رسول من الله إلى قوم، فهي حجة للأشعري ناهضة على الماتريدي والمعتزلة الذين اتفقوا على إيصال العقل إلى معرفة وجود الله، وهو ما صرح به صدر الشريعة في التوضيح في المقدمات الأربع. فوجود الله وتوحيده عندهم واجبان بالعقل فلا عذر لمن أشرك بالله وعطل ولا عذر له بعد بعثة رسول.

وتأويل المعتزلة أن يراد بالرسول العقل تطوُّحٌ عن استعمال اللغة وإغماض عن كونه مفعولاً لفعل) نبعث (إذ لا يقال بعث عقلاً بمعنى جعل. وقد تقدم ذلك في تفسير قوله تعالى: (لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل في سورة النساء (165)."اهـ

ولهذا تفطن العلامة ابن المنير لكلام الزمخشري الذي جعل بعثة الرسل من جملة المنبهات فقط، بحيث لو لم يرسل الرسول فالعذاب واقع لا محالة على عدم معرفة الله تعالى، وهذا خلاف مذهب أهل السنة من أن بعثة الرسول وبلوغ دعوته شرط أساسي في لزوم التكليف بمعرفة الله تعالى، كما قال الإمام البغوي وابن كثير والنووي وغيرهم رضي الله عنهم.

والذي تفطن إليه العلامة ابن المنير تفطن إليه العلامة الطيبي في حاشيته على الزمخشري وأقره، بل ودعمه بآيات أخرى.

فكيف يقول عاقل بعد هذا أن العلامة ابن المنير باغ ومتحامل على الزمخشري؟؟

أين تقوى الله التي تردع الجاهل عن اتهام العلماء وإيهام أنه أعلم منهم حتى يغلطهم ويسفهه أقوالهم؟؟

هذه والله إحدى أكبر البلايا الناتجة عن الشبكة المعلوماتية مع ما فيها من المحاسن؛ فكل أحد يسمح لنفسه باتهام العلماء الأبرار الذين أفنوا أعمارهم في العلم والعمل، فيأتي واحد بضغطة زر يسفههم ويغلطهم بجهل، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ولعل السبب في كلام ابن المنير هذا أنه لم يعرف من أقوال المعتزلة إلا القول بلزوم التعذيب، إذ مشايخه الأشعرية لا ينقلون عنهم إلا هذا القول حتى يصح لهم الاحتجاج بهذه الآية، فظن أن الزمخشري – لأنه معتزلي – يقول به،

فهل هذا تعليل معقول؟؟ هل علمتَ أنت ما جهله العلامة ابن المنير وهو من هو علما وقدرا؟؟ سبحان الله.

أدعوك أخي الكريم لمعرفة قدر نفسك، ولا تتكلم فيما لا تفهم، بل أرجوك دع عنك هذا العلم واتركه لأهله، فلا ينقص ذلك من قدرك بل يحفظه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير