تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[محمد براء]ــــــــ[07 Feb 2010, 10:20 م]ـ

الحمد لله ..

أولاً: تحامل الأشعرية على خصومهم أمر ذائع مشهور وأمثلته كثيرة، ويكفي لذلك أن واحداً من المشايخ الأشعرية ضاق بذلك ذرعاً فشكى منه وجعله من أسباب تأخر علم الكلام.

وإن نازعتنا بهذا المثال أتينا لك بأضعافه، في مسائل أهم من هذه المسألة، لكن لكون الملتقى متخصصاً بالتفسير أتيت بمثال من كتب التفسير.

ثانياً: من الظلم والبغي أن يؤتى بكلام أورده الزمخشري على صورة إيراد أو اعتراض فينسب إليه، ويترك صريح كلامه.

فالزمخشري قال: " فإن قلت: الحجة لازمةٌ لهم قبل بعثة الرُّسل، لأنّ معهم أدلةَ العقل التي بها يُعرف الله، وقد أغفلُوا النظرَ وهم متمكِّنُون منه، واستيجابُهُم العذابَ لإغفالهم النظر فيما معهم، وكفرهم لذلك، لا لإغفال الشرائع التي لا سبيل إليها إلا بالتوقيف، والعملُ بها لا يصح إلا بعد الايمان ".

فجاء نزار ونسب الكلام - زوراً وبهتاناً - للزمخشري، وهذا لا يجوز بحال.

أما صريح الكلام الذي تركه هو قول الزمخشري: " ?وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ ?: وما صحّ منَّا صحةً تدعو إليها الحكمة أن نعذِّب قوماً إلا بعد أن ? نَبْعَثَ ? إليهم ? رَسُولًا ? فتلزَمُهُم الحجةُ ".

وإذا كان هذا غير لائق بحكمة الله تعالى فهو قطعاً غير جائز ولا واقع.

أما الكلام الذي استشكله نزار وهو قول الزمخشري: " بعثة الرسل من جملة التنبيه على النظر والإيقاظِ من رقدة الغفلةِ، لئلا يقُولوا:كُنَّا غافلين، فلولا بعثت إلينا رسولاً يُنبِّهُنا على النظر في أدلَّةِ العقلِ ".

فهذا لا ينافي ما ذكره في أول كلامه، لأن القضية التي ادعاها الزمخشري هي: جعل الرسل منبهين على النظر في الأدلة العقلية ومتممين للحجة، والقضية التي يريد نزار إثباتها من كلام الزمخشري: أن التعذيب واقع قبل إرسال الرسل، وهما قضيتان لا تلازم بينهما البتة، ومن ادعى التلازم فليبين وجهه - وأنى له -.

ولهذا قول نزار: " ولهذا تفطن العلامة ابن المنير لكلام الزمخشري الذي جعل بعثة الرسل من جملة المنبهات فقط، بحيث لو لم يرسل الرسول فالعذاب واقع لا محالة على عدم معرفة الله تعالى ".

أقول: نعم، الزمخشري جعل الرسل من جملة المنبهات، لكن (فقط) هذه من رأسك، لم يقلها الزمخشري، وقولك بعد ذلك: " بحيث لو لم يرسل الرسول فالعذاب واقع لا محالة على عدم معرفة الله تعالى "، كذب على الزمخشري، لم يقله ولا يدل كلامه عليه بأي نوع من أنواع الدلالات.

ثالثاً: قولك أن التعذيب قبل إرسال الرسل: " يعرف بالبديهة من مذهب المعتزلة "، " ومن أبجديات مذهبهم ".

أقول: يعرف بالبديهة لمن تلقف أقوال المعتزلة من كتب الأشعرية، وهذا شأن الأشعرية، كما قال المقبلي: " يجعلُون نقلَ أسلافهم حُجَّةً على خَصمِهِم في أنَّهُ يقولُ القولَ مع أنه يتبرَّأ مِنهُ، وهو مثلُ ما يُقالُ في الحِمصِيَّاتِ: شَهِدَ عليك من هُوَ أعدَلُ منكَ! ".

وأقول مسألتنا هذه مبنية على تجويز العفو وعدم تجويزه، والثاني قول شرذمة من البغداداية، أما البصريون كافة فيقولون بجوازه، وينظر في الرد على البغدادين كلام عبد الجبار في شرح الأصول الخمسة ص644 وما بعدها.

على أنه حتى لو لم يقال بجواز العفو فلهم أن يعتذروا بالاعتذار الذي ذكره ابن القيم واستحسنه ونقلته أعلاه.

فالحاصل: أن المسألة أقل ما يقال فيها: أنها مسألة خلافية بين المعتزلة، أما ادعاء أنها من أبجدياتهم وبدهياتهم، فكذب عليهم.

رابعاً: نقلت كلام ابن عاشور لتحتج به، وهو حجة عليك، وقد كذبت حين قلت: " بل الشيخ العلامة الطاهر بن عاشور رد على الزمخشري "، فهو لم يرد عليه وإنما رد على من يقول من المعتزلة إن المراد بالرسول العقل، قال رحمه الله: " وتأويل المعتزلة أن يراد بالرسول العقل تطوُّحٌ عن استعمال اللغة وإغماض عن كونه مفعولاً لفعل) نبعث (إذ لا يقال بعث عقلاً بمعنى جعل. وقد تقدم ذلك في تفسير قوله تعالى: (لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل في سورة النساء (165) ".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير