تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

المشبه بالمشبه به في الصفات كلها، بل ولا في أخص وصف له، بل يكفي اشتراكهما في صفة ما، فالمقصود هنا بيان الجنس، فذكر ما ألف السامعون سماعه تقريبا لأفهامهم. والحاصل أن الصوت له جهتان: جهة قوة وجهة طنين، فمن حيث القوة وقع التشبيه به، ومن حيث الطرب وقع التنفير عنه وعلل بكونه مزمار الشيطان، ويحتمل أن يكون النهي عنه وقع بعد السؤال المذكور وفيه نظر. قيل: والصلصلة المذكورة صوت الملك بالوحي، قال الخطابي: يريد أنه صوت متدارك يسمعه ولا يتبينه أول ما يسمعه حتى يفهمه بعد، وقيل: بل هو صوت حفيف أجنحة الملك والحكمة في تقدمه أن يقرع سمعه الوحي فلا يبقى فيه مكان لغيره، ولما كان الجرس لا تحصل صلصلته إلا متداركة وقع التشبيه به دون غيره من الآلات، وسيأتي كلام ابن بطال في هذا المقام في الكلام على حديث ابن عباس " إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها " الحديث عند تفسير قوله: حتى إذا فزع عن قلوبهم في تفسير سورة سبأ إن شاء الله تعالى.

قوله: (وهو أشده علي) يفهم منه أن الوحي كله شديد، ولكن هذه الصفة أشدها، وهو واضح ; لأن الفهم من كلام مثل الصلصلة أشكل من الفهم من كلام الرجل بالتخاطب المعهود، والحكمة فيه أن العادة جرت بالمناسبة بين القائل والسامع، وهي هنا إما باتصاف السامع بوصف القائل بغلبة الروحانية وهو النوع الأول، وإما باتصاف القائل بوصف السامع وهو البشرية وهو النوع الثاني، والأول أشد بلا شك. وقال شيخنا شيخ الإسلام البلقيني: سبب ذلك أن الكلام العظيم له مقدمات تؤذن بتعظيمه للاهتمام به كما سيأتي في حديث ابن عباس " كان يعالج من التنزيل شدة " قال وقال بعضهم: وإنما كان شديدا عليه ليستجمع قلبه فيكون أوعى لما سمع ا هـ. وقيل إنه إنما كان ينزل هكذا إذا نزلت آية وعيد أو تهديد، وهذا فيه نظر، والظاهر أنه لا يختص بالقرآن كما سيأتي بيانه في حديث يعلى بن أمية في قصة لابس الجبة المتضمخ بالطيب في الحج، فإن فيه أنه " رآه - صلى الله عليه وسلم - حال نزول الوحي عليه وإنه ليغط "، وفائدة هذه الشدة ما يترتب على المشقة من زيادة الزلفى والدرجات.

قوله: (فيفصم) فتح أوله وسكون الفاء وكسر المهملة أي: يقلع ويتجلى ما يغشاني، ويروى بضم أوله من الرباعي، وفي رواية لأبي ذر بضم أوله وفتح الصاد على البناء للمجهول، وأصل الفصم القطع، ومنه قوله تعالى لا انفصام لها، وقيل الفصم بالفاء القطع بلا إبانة وبالقاف القطع بإبانة، فذكر بالفصم إشارة إلى أن الملك فارقه ليعود، والجامع بينهما بقاء العلقة.

قوله: (وقد وعيت عنه ما قال) أي: القول الذي جاء به، وفيه إسناد الوحي إلى قول الملك، [ص: 29] ولا معارضة بينه وبين قوله تعالى حكاية عمن قال من الكفار إن هذا إلا قول البشر لأنهم كانوا ينكرون الوحي، وينكرون مجيء الملك به.

قوله: (يتمثل لي الملك رجلا) التمثل مشتق من المثل، أي: يتصور. واللام في الملك للعهد وهو جبريل، وقد وقع التصريح به في رواية ابن سعد المقدم ذكرها. وفيه دليل على أن الملك يتشكل بشكل البشر.

قال المتكلمون: الملائكة أجسام علوية لطيفة تتشكل أي شكل أرادوا، وزعم بعض الفلاسفة أنها جواهر روحانية، و " رجلا " منصوب بالمصدرية، أي: يتمثل مثل رجل، أو بالتمييز، أو بالحال والتقدير هيئة رجل. قال إمام الحرمين: تمثل جبريل معناه أن الله أفنى الزائد من خلقه أو أزاله عنه، ثم يعيده إليه بعد. وجزم ابن عبد السلام بالإزالة دون الفناء، وقرر ذلك بأنه لا يلزم أن يكون انتقالها موجبا لموته، بل يجوز أن يبقى الجسد حيا ; لأن موت الجسد بمفارقة الروح ليس بواجب عقلا بل بعادة أجراها الله تعالى في بعض خلقه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير