ـ[محمد كالو]ــــــــ[10 Feb 2010, 06:15 ص]ـ
مع حبِّنا الشديد لصحابتنا الكرام، علينا التحذير من خطورة الغلوِّ في هذا الحبِّ كما فعلت العديد من الفرق التي ضلَّت وأضلت.
وعلينا أن نحذر كلَّ من يقع في مستنقع انتقاص الصحابة من أن يصيبهم ما ورد من نصوصٍ تحرِّم ذلك، وهي كثيرة، منها:
قول الله تعالى: (لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجةً من الذين أنفقوا من بعدُ وقاتلوا وكلاًّ وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير) سورة الحديد:10.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تسبُّوا أصحابي، فلو أنَّ أحدكم أنفق مثل أُحُدٍ ذهبا، ما بلغ مدَّ أحدهم ولا نصيفه"رواه البخاريُّ ومسلم.
لذلك علينا أن لا نقدس الأشخاص، وفي نفس الوقت أن نكون ضدَّ التجاوز وقلَّة الأدب مع أعلامنا الذين قام الإسلام على أكتافهم رضي الله عنهم أجمعين.
هناك حقيقة أولية بسيطة تقول إن البشر غير معصومين، ولكن هذا كلام نظري فالواقع لدى كثير من الناس يقول: إن هناك بشراً معصومين فوق الخطأ ودون النقد، لا يجسر أحد أن يحدق فيهم إلا مثل من أراد التحديق في قرص الشمس ولا يصاب بالعمى، وهو ما يحصل حينما نتناول شخصية مثل صلاح الدين الأيوبي أو أحد الصحابة أو أحد الأعلام البارزين.
واختلاط الإلهي بالبشري يدفع الأشخاص إلى رتبة القداسة، وهو خطر على الشخص، وخطأ في الفكرة.
وأكبر خطأ تورطت فيه الكنيسة تحويل عيسى من الناسوت إلى اللاهوت فاختلفوا في حقيقته وما زالوا مختلفين، وعندما يصبح الإنسان (البابا يوحنا) المعصوم فقد دخل في دين الكنيسة وفتح الطريق لخروج مارتن لوثر.
و هذه المشكلة أيضاً هي مشكلة الدروز مع الحاكم بأمر الله الفاطمي (يروي المقريزي أنه في عام 408 هـ قدم مصر داع عجمي اسمه محمد بن إسماعيل الدرزي واتصل بالحاكم فأنعم عليه، ودعا الناس إلى القول بإلهية الحاكم).
ومشكلة اليزيديين مع يزيد بن معاوية الذي قالوا: بألوهيته ونصبوا له مقاماً في جبل سنجار.
ومشكلة الشيعة مع الأئمة فقد زعموا أن الله يزور قبور الأئمة مع الشيعة، ففي بحار الأنوار للمجلسي:
"إنّ قبر أمير المؤمنين يزوره الله مع الملائكة ويزوره الأنبياء ويزوره المؤمنون" [بحار الأنوار: 100/ 258].
وهو ما حدث مع أهل السنة والجماعة في شخصية القائد الفذ صلاح الدين الأيوبي أو شيخ الإسلام ابن تيمية أو حتى بعض الصحابة الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم.
كما ينبغي علينا الفصل بين الشخص والمبدأ، وبين الوحي والتاريخ، ترجيحاً لقدسية المبادئ على مكانة الأشخاص، مع الاعتراف بفضل السابقين في حدود ما تسمح به المبادئ.
ويجب أن نعي معنى القدوة وأهميتها البالغة في مناهج التربية، فالمثل الأعلى هو رسولنا عليه الصلاة والسلام، ومن بعده الصحابة الكرام رضوان عليهم جميعاً، ثم يأتي بعد ذلك التابعون والعلماء المخلصون.
ولكن هل القدوة تعني العصمة من الخطأ و الزلل؟
على المستوى النظري نقول: لا.
وعلى المستوى العملي نعجز عن أن نتقبل ذلك، وسؤالنا دليل على ذلك .. كيف؟
أنت لا تتقبل أن يكون أحدٌ من الصحابة أخطأ، ومن ثم ترفض كتابًا يتجه لذلك، وتطالب ببديل .. لماذا؟ لأنك تريد أن تكون القدوة من الصحابة بلا أخطاء، وهذا خطأ تاريخي وشرعي و تربوي.
أما الخطأ التاريخي فإنّ الصحابة الكرام وقعوا في أخطاء في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي غزوة أحد قال للرماة " لا تبرحوا عن هذا المكان فإنا لا نزال غالبين ما دمتم في هذا المكان " لكنهم خالفوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزلوا فنزل القرآن: (منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة) سورة آل عمران: 152،
وعن المعرور بن سويد قال: (مررنا بأبي ذر بالربذة وعليه برد وعلى غلامه مثله فقلنا يا أبا ذر لو جمعت بينهما كانت حلة؟
فقال: إنه كان بيني وبين رجل من إخواني كلام وكانت أمه أعجمية فعيرته بأمه فشكاني إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلقيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " يا أبا ذر إنك امرؤ فيك جاهلية "
قلت يا رسول الله من سب الرجال سبوا أباه وأمه قال: يا أبا ذر إنك امرؤ فيك جاهلية هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم فأطعموهم مما تأكلون وألبسوهم مما تلبسون ولا تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم فأعينوهم) رواه مسلم.
¥