وغير ذلك من مواقف مسطورة في كتب السنن والروايات التاريخية الثابتة، ومن يذهب إلى أنّ جميع الصحابة مبرؤون من الخطأ فهو متكلِّفٌ أو واهم.
وأما الخطأ الشرعي فإن المقرر عند جميع أهل السنة أنّ العصمة منتفيةٌ عن البشر، إلا ما هو مقرر للأنبياء (على خلاف .. هل العصمة لكافة تصرفاتهم، أم فيما يبلغون فيه عن رب العزة فقط؟)، وهذا لا يقلل من مكانة الصحابة الكرام، ومن دورهم في حمل الرسالة للعالمين.
ومع ذلك فإن من العلماء المجتهدين من قرّر في أصول مذهبه أنّ رأي الصحابي فيما لا نصّ فيه لا يعدو أن يكون رأيًا في المسألة، وهو غير ملزمٍ للمجتهد، فإن الأفهام تتفاوت، ورُبّ مبلغ أوعى من سامع.
" ذهب جمهور العلماء من الحنفية والمالكية وبعض الشافعية والحنابلة على أنه (رأي الصحابي) حجة شرعية مقدمة على القياس، والراجح من الشافعية على أنه ليس بحجة، وهناك أقوال أخرى لكنها ترجع إلى هذين القولين.
والراجح أن مذهب الصحابي ليس حجة، ولا يكون دليلاً شرعياً مستقلاً فيما يكون بالاجتهاد المحض، لأن المجتهد يجوز عليه الخطأ، ولم يثبت أن الصحابة ألزموا غيرهم بأقوالهم، فمرتبة الصحبة وإن كانت شرفاً عظيماً لا تجعل صاحبها معصوماً عن الخطأ." [أنظر: أصول الفقه الإسلامي د/وهبة الزحيلي 2/ 850 وما بعدها ط1، دار الفكر 1986م].
أما الخطأ التربوي .. فله جانبان:
أحدهما: هو طلب المقتدي من نفسه بلوغ كمال القدوة حتى يصل إلى ما كان عليه هؤلاء الصفوة.
والثاني: جاء الإسلام ليتعامل مع القصور والتقصير البشري لا لكي ينفيه، فهو يتعامل مع كل نفسٍ بحسب طاقتها، ويرسم طريق التوبة لمن يسقط أثناء سعيه في طريق الله، قال الله تعالى: (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) (سورة البقرة: 286).
ونرى المنهج النبوي مع حالة أبي ذر الغفاري رضي الله عنه مراعيًا طاقته:
قال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (يا أبا ذر إني أراك ضعيفاً، وإني أحب لك ما أحب لنفسي؛ لا تأمرن على اثنين، ولا تولين مال يتيم) رَوَاهُ مُسلِمٌ.
ونراه يحمي حاطب بن أبي بلتعة من القتل بعد ارتكابه الخيانة العظمى قبيل فتح مكة لأنه ممن شهد بدراً.
وفي يوم بدت خيبة الرسول (صلى الله عليه وسلم) كبيرة في صحابي جليل هو (ابن لبيد) فقال له (ثكلتك أمك يا ابن لبيد لقد ظننتك أفقه من بالمدينة) لأن الرسول (صلى الله عليه وسلم) امتحنه في موضوع تبين له أن ابن لبيد لم يستوعب جيداً.
وهكذا كان المنهج التربوي النبوي يتحمل قصور الأشخاص وتقصيرهم دون إقصاء للمقصر.
والقرآن يعلمنا قاعدة ذهبية " أن نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيآتهم "، قال الله تبارك وتعالى: (أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيآتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون) (الأحقاف، الآية 16).
وحقيقة أن البشر يصيبون ويخطئون هي التي تمكننا من فتح الصفحة النقدية للتاريخ فنرى البشر عاديين ونبصر أخطاءهم ونستفيد منهم، لأن العمل البشري يمكن تقليده والعمل الإلهي فوق طاقة البشر فلا يقلد.
ولكننا كما يقول مالك بن نبي في تفريقه بين (الفكرة المجسدة) و (الفكرة المجردة) إننا عندما نربط الأفكار بالأشخاص نحرم من الفكرة الجيدة إن جاءت من عدو، ونتورط في فكرة سخيفة طالما جاءت من صديق.
وما لم نسلخ الفكرة عن الشخص فلن نستفيد من الأفكار ولن نعرف قدر الناس، وقراءة التاريخ بهذه الروح النقدية هي التي تقربنا من الحقيقة.
ـ[أبو سعد الغامدي]ــــــــ[10 Feb 2010, 08:11 ص]ـ
الأخ الفاضل محمد كلامك موفق وسديد وفيه الكثير من الصواب، إلا قولك:
وهو ما حدث مع أهل السنة والجماعة في شخصية القائد الفذ صلاح الدين الأيوبي أو شيخ الإسلام ابن تيمية أو حتى بعض الصحابة الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم.
.
فأهل السنة لم يدعوا العصمة لصلاح الدين ولا لشيخ الإسلام بن تيمة رحمهما الله تعالى.
وأهل السنة هم أولى الناس في جملتهم بقول الله تعالى:
" وكذلك جعلناكم أمة وسطا" فهم عدول في أقوالهم وأفعالهم وأحكامهم على الصحبة وغيرهم، فلا غلو ولا جفاء ولله الحمد.
ثم يا شيخنا الفاضل هناك فرق بين القول إن الصحابة معصومون من الخطأ وبين قول إن الحق لا يخرج عنهم.
وهذا الأخير هو مجال البحث والنقاش.
حفظك الله ورعاك وسدد أقوالك وأفعالك
ـ[د. أبو بكر خليل]ــــــــ[10 Feb 2010, 11:04 ص]ـ
...
وفي يوم بدت خيبة الرسول (صلى الله عليه وسلم) كبيرة في صحابي جليل هو (ابن لبيد) فقال له (ثكلتك أمك يا ابن لبيد لقد ظننتك أفقه من بالمدينة) لأن الرسول (صلى الله عليه وسلم) امتحنه في موضوع تبين له أن ابن لبيد لم يستوعب جيداً.
.
لقد أسأتَ الأدب مع رسول الله صلى الله عليه و سلم؛ فتخيّر من جميل اللفظ ما يليق بمقام نبوّته صلى الله عليه و سلم
صحيحٌُ أن لفظ (الخيبة) يُطلق في اللغة على ما لم يُنَل طلبه، و على خيبة الرجاء،
و لكنه لا يقال في حقه صلى الله عليه و سلم؛ تأدباً؛ فلا يجوز مثل قولك: (بدَتْ خيبة الرسول في فلان أو في كذا). بأبي هو و أمي صلى الله عليه و سلم
قال الله عزّ و جَلّ: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا}. [النور: 63]
¥