ثم تقول بأن الواو في قوله تعالى (وكان عرشه على الماء) حالية، وهذا ما لم يقل به أحد، وإذا كانت الواو حالية فالأنسب أن يقول ( .. وعرشُه على الماء). بل اتفقت كتب التفسير وإعراب القرآن على أن الواو عاطفة عطفت جملة على جملة سابقة. ومنهم من قال إن الواو اعتراضية لأن جملة (كان عرشه على الماء) اعتراضية بين الفعل (خلق) ومتعلَّقه (ليبلوكم .. ). ومنهم من وضع الاحتمالين (أن تكون عاطفة أو اعتراضية).
وأما عن "كون خبر كان يقع فى الماضي لا يمنع كونه مستمرا فى الحاضر"، فهذا أسلوب آخر وارد في نصوص كثيرة، مثل قوله تعالى (وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) وقوله (وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا) ... وكذلك قوله (وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا) وقوله (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) .. والسياق والقرينة هما ما يدلّ على جريان الكلام على هذا الأسلوب، فنحن نعلم أن الله عليم حكيم لم يزل ولا يزال، وأن أمر الله مفعول دائما، وأن الإنسان عجول دائما، وأن المبذرين إخوان الشياطين أبدا وأن الشيطان كفور لربه أبدا. وأما في قوله تعالى (وكان عرشه على الماء) فالأمر ليس كذلك، فنحن نعلم من النصوص (القرائن) الأخرى أن العرش الآن فوق السماء السابعة ..
" ثم " بعد الكتابة فى الذكر ... لكن لا دلالة على أن الكتابة تمت حال كون العرش على الماء
أولا؛ يجب أن نعلم أن ما ورد في أكثر الروايات هو كما يلي: (وكان عرشه على الماء. ثم خلق السموات والأرض، وكتب في الذكر كل شيء). فجاءت جملة (كتب في الذكر كل شيء) بعد جملة (خلق السموات والأرض). وهذا يُفيد أنه بعد أن كان العرش على الماء فقط تم خلق (السموات والأرض)، وكُتِب في الذكر كلّ ما قدّر، وبعض الروايات تعبر عن هذا بـ (خلق القلم).
ويبدو أنك تعتمد على الروايات الأخرى التي جاءت بصورة (وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، ثم خلق السموات والأرض) وهذه صياغة واردة في بعض طرق الحديث لكنها صياغة نادرة وشاذة. وهنا نجد أن جملة (كتب في الذكر كل شيء) معطوفة على جملة (كان عرشه على الماء)، فالواو في قوله (وكتب في الذكر كل شيء) ليست حالية، بل هي عاطفة، والعطف يقتضي الجمع .. ولذا ترى أنه وقع نقاش بين العلماء حول أسبقية العرش والماء أو القلم، والآثار والروايات الواردة تختلف في هذه النقطة. ولكن هذا لا يهمنا هنا، فقوله (ثم خلق السموات والأرض) معطوف بأداة العطف (ثم) التي تفيد الترتيب، وسواء كان (الماء والعرش عليه) هما الأول وجودا أو كان (القلم) و (كتابة كل شيء في الذكر) هما الأول حدوثا؛ المهم أن (خلق السموات والأرض) كان بعد ذلك كله.
هذا يستتبع سؤالا هاما .. وأين ذهب الماء؟ هل كان المادة الخام التى خلقت منها السموات والأرض؟ إذن ظل العرش فوقه أو فوق آخر شيء منه حتى نهاية اليوم السادس .. حيث تكاثف كله إلى الكون ومادته
هذا ما أؤجل الحديث عنه إلى كتابة تفسيري المطروح للآية ولمجموعة الآيات المرتبطة.
ـ[مصطفى سعيد]ــــــــ[19 Feb 2010, 11:54 ص]ـ
السلام عليكم
ننتظر ياأخ جمال ولا نستعجلك
إلا أن أريد أن أنوه إلى بديهيات أولية حتى يكون منطلقنا صحيحا
** النحويون قالوا ماقالوا فى الواو حسب تصورهم للأحداث وترتيبها. والأمثلة التى سقتها أنت تؤكد أنها ليست لمجرد العطف أو الاعتراض بين جملتين
** الآية ذكرت الخلق أولا والعرش كان على ما خلق .. والخلق ليس لحظة بل ستة أيام كان العرش فيها على ما خلق سابقا وقررته الآية أنه الماء
** جرت سنة الله فى الخلق أن يكون من الأبسط إلى الأعقد؛وكذلك من المفرد إلى المركب فإن قلت الماء المعروف هو المقصود فى الآية فسنقول لابد أنه سبقه هيدروجين وأكسجين وتوفرت أسباب اتحادهم لتكوين مركب الماء .. ويبطل القول أن الماء المعروف هو الذى فى الآية
** الماء المذكور فى الآية هو مرحلة كاملة من أيام الخلق بدأت بها الأيام الست
** قبل هذه المرحلة لم يكن هناك شيء ... فهذه بداية الخلق .. ؛ أى أن الماء فى الآية هو أبسط شيء يمكن تصوره ثم كان التعقيد والتركيب
** السموات والأرض - ما اصطلحنا على تسميته علميا الكون - من نفس الطبيعة .. ظل بعضا منها على حالة الفطر الأولى وتعقد البعض حتى كان كواكب وزاد التركيب والتعقيد حتى كانت الحياة على الأرض