ولكن قد يقول قائل: إن هذا التغيير والتبديل والتعديل من الله قد وقع فعلا؛ ودليل ذلك قوله تعالى في سورة النحل: (وَإِذَا بَدَّلْنَا آَيَةً مَكَانَ آَيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) والآية تدل على النسخ والتغيير والتبديل والتعديل.
والإجابة على ذلك كالآتي:
ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[15 Feb 2010, 03:57 م]ـ
- سياق قول الله تعالى (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآَنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ) وسياق قوله (وَإِذَا بَدَّلْنَا آَيَةً مَكَانَ آَيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ) ليس واحدا؛ فالآية الأولى تصور طلب المشركين بعدم سب آلهتهم والآية الثانية تصور تعجب هولاء الذين تحكي عنهم الآية من تغيير أوامر الله ونواهيه.
- الآية الثانية تحكي عن قوم بأعينهم فمن هم؟ ذهب العلماء إلى أنهم هم المشركون وحكى القرطبي عن بعضهم أنهم اليهود وذكر الواحدي أنهم هم اليهود والمشركون معاً. وأنا أميل إلى هذا القول الأخير ميلاً شديدا؛ وذلك لأن سورة النحل مكية وهذه الآية مع آيات معها في السياق تتعلق باليهود تعلقا كبيراً كما سيأتي
- آية النحل هذه فيها دليل واضح جدا على النسخ والتغيير والتبديل والتعديل، ولكنه نسخ ماذا وتغيير ماذا وتبديل ماذا و تعديل ماذا؟
هل هو نسخ التلاوة في القرآن؟ أم نسخ الأحكام في القرآن؟ أم نسخ شريعة بشريعة؟
وأنا أميل ميلا شديدا إلى أنه نسخ شريعة بشريعة وتغيير شريعة بشريعة وتبديل شريعة بشريعة وتعديل شريعة بشريعة؛ وذلك – ببساطة - لأن اليهود داخلون في هذا القول.
إذ إن المشركين واليهود لما رأوا أن القرآن يشابه التوراة والإنجيل في بعض الأمور قالوا كما حكت آيات سورة النحل: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ) فأفحمهم الله بذكر بلاغة القرآن العالية فقال: (لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ)
ولكن سرعان ما اكتشف اليهود أن القرآن يخالف كتابهم في أحكامه ويحلل الأطعمة المحرمة عليهم فقالوا: كيف يختلف ذلك إذا كان الكل من عند الله؟! وبذلك أنكر اليهود النسخ؛ فقالوا (إنما أنت مفتر) أي: كذاب، وتشير الآية إلى نسخ شريعة موسى؛ فرد الله تعالى بقوله: (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) ثم ذكر الله في سياق ذلك ما وقع من تحريم للطيبات عند اليهود بسبب ظلمهم فقال: (وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) ثم ذكر اعتداءهم في السبت فقال (إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ)
وبهذا يبدو واضحا جدا أن الآية لا علاقة لها إطلاقا بتغيير آيات القرآن وتبديلها وتعديلها، وإنما تعالج مسألة أخرى هي نسخ القرآن لشريعة موسى وتبديله لأحكامها
وإذا كان الأمر كذلك فإن الآية لا علاقة لها بموضوعنا. أما الحديث الذي هو موضوعنا فإنه عند فحص رواياته الصحيحة ومقارنتها ببعضها يتبين أنه ليس هنالك من تعديل قد وقع أصلا في آيات القرآن، وتفصيل ذلك كالآتي:
ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[15 Feb 2010, 03:59 م]ـ
صحة قصة ابن أم مكتوم في أصلها:
إن تضافر الروايات على قصة ابن أم مكتوم هذه ووردها في كافة كتب الحديث الصحيحة يؤكد وقوعها، لكن أقوال الرواة فيها قد اختلفت اختلافا بينا مما يؤكد أن شيئا دقيقا لم يتم الضبط فيه
فقد ذهبت بعض الروايات إلى وجود ابن أم مكتوم مع النبي صلى الله عليه وسلم عند نزولها
وروايات أخر تذكر أنه جاء من الخارج
وروايات ثالثة تذكر أنه كان جالسا فقام
كما اختلف الرواة في العبارة التي قالها ابن أم مكتوم وهو يشكو اختلافا كبيرا؛ وإن كانت تدور كلها حول معنى واحد
فقد جاء في البخاري (أنا ضرير)
وفي البخاري أيضا (لو أستطيع الجهاد لجاهدت)
وجاء في البخاري أيضا وابن حبان: (بما تأمرني فإني رجل ضرير البصر؟)
وفي ابن حبان (إني أحب الجهاد في سبيل الله وبي من الزمانة ما ترى قد ذهب بصري)
وجاء في ابن حبان أيضا (ما ذنبنا؟)
وفي البيهقي (كَيْفَ بِمَنْ لاَ يَسْتَطِيعُ الْجِهَادَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ؟)
وفي النسائي (فكيف وأنا أعمى)
وفي المعجم الكبير للطبراني (إن بعيني ضررا)
وفي المعجم الكبير أيضا (أما لي رخصة؟)
في المعجم الكبير أيضا (اللهم إني ضرير فرخص لي)
وفي البزار (فَاعْذُرْنَا)
وجاء في النسائي والبيهقي أن الشاكي لم يكن ابن أم مكتوم وحده بل معه عبد الله بن جحش.
وذكر مقاتل في تفسيره أن الذين شكوا كانوا ثلاثة
¥