- أو يكون أحد الحديثين ناسخاً للآخر إذا كان مما يقبل النسخ.
- أو يكون التعارض في فهم السامع، لا في نفس كلامه صلى الله عليه وسلم.
فلابد من وجه من هذه الوجوه الثلاثة.
وحديث البخاري السابق معارض (لسرده الواقعة بشكل معين) بالروايات الأخرى ومنها روايات للبخاري نفسه ولهذا لزم الجمع والتوفيق بين هذه الروايات وإلا فالترجيح أولى. ولا مدخل للنسخ فيما نحن بصدده كما هو واضح، وهنالك احتمال آخر وهو أنني لم أفهم الحديث ولا أظن هذا صحيحا لأن الحديث واضح كل الوضوح.
أما قولك: أين الإشكال؟ فهو يعني أنك ارتضيت الشكل الأول ولك الحق ولك الأدلة التي تسند دعواك، وقد يؤيدك الكثيرون، وهو قولي الذي كنت أقول به زمنا، لكنه لا يلزمني الآن بعد أن وجدت أدلة أعمق وأحسن تخرجني من مسألة "التعديل" هذه، وإذا كان نسخ التلاوة قد أخذ الشكل نفسه فإن نسخ التلاوة ليس مسلّما به عندي وإنما هو مجرد نظرية أخذت أدلتها الشكل التالي:
- أحاديث صحيحة فهمت بشكل معين (ونماذج هذا الشكل قليلة جدا)
- روايات واهية ضعيفة لا ثبوت لها عند أهل العلم
- روايات تسربت من قبل الروافض الذين يقولون بنسخ القرآن الذي بأيدي المسلمين كله.
أما آية سورة النحل فقد تبين لي أنها لا علاقة لها بالتعديل والتغييير "الذي نقصده" ولا علاقة لها بنسخ التلاوة أيضا، وإنما تدل – حسب أقوال العلماء - على أمرين:
- تبديل أحكام القرآن لأحكام التوراة والإنجيل كما يفيد السياق وأنا أميل إلى هذا الرأي
- تبديل آيات القرآن ببعضها وهنا اختلفت الأقوال فقيل هو نسخ التلاوة وهذا قول ضعيف جدا وقيل هو نسخ الأحكام فحسب وهذا القول أكثر قوة من القول الأول؛ ولهذا ذهب ابن عاشور إلى أن المراد بالآية هنا حكم؛ لأن المقصود بيان حكمة إبطال الأحكام لا إزالة ألفاظ القرآن. أما أحسن الأقوال - في القول بتبديل آيات القرآن ببعضها – فهو تبديل مقامات الآيات؛ وذلك لأن قريشا تعمدت الاختلاق والتّمويه لما رأت اختلاف المقتضى والمقام والمغايرة باللين والشدّة واختلاف الأغراض والأحوال التي يتعلّق بها - اتخذوا ذلك مغامز يتشدّقون بها؛ فقد روي عن ابن عباس أنه قال: (كان إذا نزلت آية فيها شدّة ثم نزلت آية ألين منها يقول كفار قريش: والله ما محمد إلا يسخر بأصحابه، اليوم يأمر بأمرٍ وغداً ينهى عنه، وأنه لا يقول هذه الأشياء إلا من عند نفسه. ولهذا قال ابن عاشور (هذه الكلمة أحسن ما قالهُ المفسّرون في حاصل معنى هذه الآية. فالمراد من التبديل في قوله تعالى " بدلنا" مطلقُ التغاير بين الأغراض والمقامات، أو التغاير في المعاني واختلافها باختلاف المقاصد والمقامات)
ولسنا هنا بصدد مناقشة أمر نسخ التلاوة. وإنما أردنا أن ننفي أن الآية قد دلت على تعديل القرآن.
أما ما يتعلق بالحديث الذي هو موضوعنا: فإذا كان لديّ مخرج - لا بالعقل المجرد - بل بالروايات الصحيحة فلماذا أقول بالتعديل والتغيير مع إنه بإمكاني أن لا أقول بذلك أصلا؟
وفي قصة ابن مكتوم السابقة لديّ أربعة مخارج أخرى لي أن اختار منها ما شئت حسب الأدلة فلماذا ألزم نفسي بالرواية التي هي محل الإشكال مع أن الروايات الأخرى ليست بمشكلة إطلاقا. ووجه الإشكال عندي في التعديل.
والآن أمامك أخي الروايات فاجمع بينها ووفق وإلا فرجح.