(وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُم سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ))
ـ[أبو سعد الغامدي]ــــــــ[25 Feb 2010, 09:26 م]ـ
قال تعالى:
(الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) سورة هود (1)
قال الطبري رحمه الله تعالى:
"وأولى القولين في ذلك بالصواب، قولُ من قال: معناه: أحكم الله آياته من الدَّخَل والخَلَل والباطل، ثم فصَّلها بالأمر والنهي."
وقال بن كثير رحمه الله:
أي: هي محكمة في لفظها، مفصلة في معناها، فهو كامل صورة ومعنى.
وقال البغوي رحمه الله تعالى:
" {أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ} قال ابن عباس: لم ينسخ بكتاب كما نسخت الكتب والشرائع به، {ثُمَّ فُصِّلَتْ} بُيِّنَتْ بالأحكام والحلال والحرام. وقال الحسن: أحكمت بالأمر والنهي، ثم فُصِّلَتْ بالوعد والوعيد. قال قتادة: أحكمت أحكمها الله فليس فيها اختلاف ولا تناقض وقال مجاهد: فُصِّلت أي: فُسِّرت. وقيل: فصلت أي: أنزلت شيئا فشيئًا."
وقد ذكر بن الجوزي خمسة أقوال في معنى الآية:
أحدها: أُحكمت فما تُنسخُ بكتاب كما نُسخت الكتب والشرائع، قاله ابن عباس، واختاره ابن قتيبة.
والثاني: أُحكمت بالأمر والنهي، قاله الحسن، وأبو العالية.
والثالث: أُحكمت عن الباطل، أي: مُنعت، قاله قتادة، ومقاتل.
والرابع: أُحكمت بمعنى جُمعت، قاله ابن زيد.
والخامس: أنه إِعجاز النظم والبلاغة وتضمين الحِكَم المعجزة.
ونجد الرازي في مفاتيح الغيب يذكر أكثر من وجه في معنى الإحكام:
"الأول: نظمت نظماً رصيفاً محكماً لا يقع فيه نقص ولا خلل، كالبناء المحكم المرصف.
الثاني: أن الإحكام عبارة عن منع الفساد من الشيء. فقوله: {أحكمت آياته} أي لم تنسخ بكتاب كما نسخت الكتب والشرائع بها.واعلم أن على هذا الوجه لا يكون كل الكتاب محكماً، لأنه حصل فيه آيات منسوخة، إلا أنه لما كان الغالب كذلك صح إطلاق هذا الوصف عليه إجراء للحكم الثابت في الغالب مجرى الحكم الثابت في الكل.
الثالث: أي جعلت حكيمة.
الرابع: جعلت آياته محكمة في أمور:
أحدها: أن معاني هذا الكتاب هي التوحيد، والعدل، والنبوة، والمعاد، وهذه المعاني لا تقبل النسخ، فهي في غاية الإحكام.
وثانيها: أن الآيات الواردة فيه غير متناقضة، والتناقض ضد الإحكام فإذا خلت آياته عن التناقض فقد حصل الإحكام.
وثالثها: أن ألفاظ هذه الآيات بلغت في الفصاحة والجزالة إلى حيث لا تقبل المعارضة، وهذا أيضاً مشعر بالقوة والإحكام.
ورابعها: أن العلوم الدينية إما نظرية وإما عملية. أما النظرية فهي معرفة الإله تعالى ومعرفة الملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر، وهذا الكتاب مشتمل على شرائف هذه العلوم ولطائفها، وأما العملية فهي إما أن تكون عبارة عن تهذيب الأعمال الظاهرة وهو الفقه، أو عن تهذيب الأحوال الباطنة وهي علم التصفية ورياضة النفس، ولا نجد كتاباً في العالم يساوي هذا الكتاب في هذه المطالب، فثبت أن هذا الكتاب مشتمل على أشرف المطالب الروحانية وأعلى المباحث الإلهية، فكان كتاباً محكماً غير قابل للنقض والهدم."
والخلاصة في معنى الإحكام العام هو:
أن القرآن محكم الآيات في ألفاظه ومعانيه بحيث لا يتطرق إليه الخلل ولا الباطل لا من جهة اللفظ ولا من جهة المعنى.
ـ[أبو سعد الغامدي]ــــــــ[26 Feb 2010, 12:21 ص]ـ
(اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) سورة الزمر (23)
قال الطبري في معنى قوله " مُتَشَابِهًا":
"يشبه بعضه بعضا، لا اختلاف فيه، ولا تضادّ."
وقال بن الجوزي:
" فيه قولان:
أحدهما: أن بَعْضهُ يشْبِه بَعْضاً في الآي والحروف، فالآية تُشْبِه الآية، والكَلِمَة تُشْبِه الكَلِمة، والحَرْفُ يُشْبِه الحَرْفَ.
والثاني: أن بَعْضَه يصدِّق بَعْضاً، فليس فيه اختلاف ولا تناقض."
وقال الشوكاني:
"يشبه بعضه بعضاً في الحسن، والأحكام، وصحة المعاني، وقوة المباني، وبلوغه إلى أعلى درجات البلاغة."
¥