أ ـ الأدلة الكثيرة الواردة في كتاب الله تعالى والتي تحث على الاعتبار والاتعاظ بالقرآن الكريم: من مثل قوله تعالى: (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) [محمد: 24] وقوله: (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب) [ص: 29] وقوله: (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) [النساء: 83]. وقد دلت الآية الأخيرة على أن في القرآن ما يستنبطه أولوا الألباب باجتهادهم.
ب ـ اختلاف الصحابة رضي الله عنهم في تفسير القرآن على وجوه ومعلوم أنهم لم يسمعوا كل ما قالوه من النبي صلى الله عليه وسلم.
ج ـ دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنهما بقوله: (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل) (9)، فلو كان التفسير مقصوراً على السماع، لما كان هناك فائدة من تخصيصه رضي الله عنه بهذا الدعاء (10).
د ـ أن من نُقل عنهم التحرج من التفسير فقد نقل عنهم تفسير آيات من كتاب الله تعالى برأيهم ـ المحمود ـ فقد جاء عن أبي بكر رضي الله عنه أنه فسر " الكلالة " برأيه ووافقه عليها عمر رضي الله عنه حيث قال: " أقول فيها برأيي فإن كان صواباً فمن الله وإن كان غير ذلك فمني ومن الشيطان ... ) (11) فيحمل توقفهم في بعض الآيات على أنه من باب الورع أو لوجود من يكفي في الجواب عنهم أو لعدم اتضاح المعنى لديهم.
وأما الاستنباط فهو كذلك ينقسم إلى قسمين: استنباط صحيح، واستنباط باطل.
وصحة الاستنباط متوقفة على أمرين:
الأول: صحة دلالة الآية على هذا المعنى المُسْتَنْبَط.
الثاني: صحة المعنى المستَنْبَط في ذاته. ويكون ذلك بعدم وجود معارض شرعي راجح.
فالأول تُعرف به صحة ارتباط هذا المعنى بالآية، فإن صح هذا الارتباط؛ نُظر بعد ذلك في المعنى المستنبط هل هو صحيح في العلم الذي استنبط فيه أم لا، لأن الآية قد تدل على حكم وتنفيه أدلة أخرى فتبين أنه غير مراد.
وعند تأمّل حالات الصحة وعدمها يتبين أنها أربع حالات:
الأولى: صحة الدلالة والمعنى المستنبط.
الثانية: بطلانهما.
الثالثة: صحة الدلالة وبطلان المستنبط.
الرابعة: بطلان الدلالة وصحة المستنبط.
ولا يحكم على الاستنباط بأنه صحيح إلا في الحالة الأولى، أما في الثانية والثالثة فالحكم بالبطلان فيها ظاهر، وأما في الرابعة فلأن المقصود هو الحكم على صحة استنباط هذا المعنى من هذه الآية، وليس المقصود الحكم على صحة المعنى فقط، ولو لم نقيد الأمر بذلك لكان كل معنى صحيح يصح استنباطه من كل نصٍّ قرآني ولو لم يدل عليه ولا يقول بهذا أحد. كما أننا حين نحكم ببطلان هذا الاستنباط من هذه الآية فلا يعني ذلك دائماً عدم صحة المعنى المستنبط لكننا ننفي دلالة الآية عليه.
والله تعالى أعلم
ــــــ
(1) انظر في تعريف التفسير بالرأي المذموم: التفسير والمفسرون: (1/ 175).
(2) ضعفه الألباني في ضعيف الترمذي برقم (571) وفي ضعيف الجامع الصغير برقم (5736).كما ضعف حديث: " من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار ".
(3) انظر السلسلة الصحيحة برقم: (2778).
(4) انظر هذا الأثر في تفسير الطبري: 1/ 58 برقم: (78) و (79).
(5) انظر هذا الأثر في تفسير ابن كثير: (1962) قال ابن كثير: إسناد صحيح. ثم قال: وهذا محمول على أنه أراد أن يعرف شكله وجنسه وعينه وإلا فهو وكل من قرأ هذه الآية يعلم أنه نبات من نبات الأرض.
(6) السابق: الجزء والصفحة. بتصرف.
(7) رواه أبو داود (3658) والترمذي (2649) وابن ماجة (261) وغيرهم وقال الترمذي: حسن صحيح. وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: 1/ 124 برقم (115).
(8) انظر مقدمة التفسير لشيخ الإسلام ابن تيمية: (149 – 150).
(9) رواه الإمام أحمد والطبراني والبيهقي وصححه الألباني وهو في مسلم بلفظ مختصر (اللهم فقه) وعند البخاري: (اللهم علمه الحكمة) وفي لفظ له: (الكتاب) بدل الحكمة. انظر تخريج شرح الطحاوية ص: 214 رقم (180).
(10) انظر هذا الأدلة الثلاثة وغيرها في: التفسير والمفسرون: (1/ 174). ولابن جرير كلام مهم في ذلك انظره في مقدمة تفسيره: (1/ 58 – 66).
(11) تفسير ابن كثير: (449).
ـ[طارق عبدالله]ــــــــ[24 Feb 2010, 09:12 ص]ـ
جزاكم الله خيراً أستاذنا الفاضل الدكتور فهد .. بارك الله بك لقد بينت وأصبت وأجدت أصاب الله بك وجعل بيانك بُلغةً للسائلين وعِصمةً للسالكين مدارج العلماء الأمناء الصادقين وشفاءً للصدور ونوراً للعقول ومنهاجاً لطلاب الحق المبين ..
نفع الله بك ورفع مقامك في الدارين
ـ[إبراهيم الحسني]ــــــــ[24 Feb 2010, 04:32 م]ـ
جزاك الله خيرا على هذه الفائدة وليست بكرا من فوائدك.
ولكن في أي خانة نجعل الأنواع التالية:
1 - حمل آيات القرآن الكريم على معان عقدية ضعيفة قد بين أهل العلم بطلانها وضعف مستندها العلمي.
2 - تفسير كتاب الله تعالى بإشارات علمية لا يدل عليها ظاهر القرآن لغة، ولم يقل بها أحد من السلف.
3 - تفسير بعض الناس القرآن الكريم دون أدنى مستوى علمي في اللغة.
فينصب ويخفض ويصرف ما لا ينصرف ويمنع من الصرف بلا مانع ...
ومع ذلك يضعف أقوال أهل العلم المشهورين بالعلم والمعرفة والتقوى بدون دليل إلا فكرة ظهرت له فهمها من وحل لغوي مهين.
¥