1. الالتزام بحدود ما تعطيه الألفاظ القرآنية في استعمالاتها العربية، وعدم تحميل الألفاظ فوق ما يمكن أن تحتمل بحسب وضعها اللغوي، والاستعانة على التفسير بعلوم النحو، والصرف، والبلاغة، وغيرها مما يدخل في علوم العربية، وخاصة علم أسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، بالإضافة إلى فهم الفرق بين العام والخاص، والمطلق والمقيد، والمجمل والمفصل من آيات الكتاب الحكيم، والأخذ بمعنى النص كاملاً دون اجتزائه، ومعرفة أن العبرة في القرآن الكريم بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
فأنا إذا لم أفهم اللغة فهماً صحيحاً ـ وكذلك كل ما سبق ذكره ـ فلن أستطيع فهم الإعجاز العلمي، فإذا لم أفهم من اللغة ما معنى نطفة، أو مضغة، أو علقة، أو عظام، أو كسوة العظام لحماً، فلن أفهم ما هي دلالات الآية، فاللغة شرط أساسي لفهم دلالات الآيات، لكن أنا لا أقف عند حدود اللغة وحدها؛ لأننا إذا وقفنا عند حدود اللغة وحدها فلن نصل إلى الفهم الصحيح للآية، فأنا لا أستطيع أن أقف عند فهم الأقدمين.
2. جمع القراءات الصحيحة المتعلقة بالآية القرآنية إن وجدت، ولابد عند تفسيرها من فهم التفسير المأثور عن المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ والرجوع إلى أقوال المفسرين من الصحابة والتابعين وتابعيهم إلى الزمن الحاضر، بالإضافة إلى جمع النصوص القرآنية المتعلقة بالموضوع الواحد وردِّ بعضها إلى بعض، بمعنى فهم دلالة كلٍ منها في ضوء الآخر؛ وذلك لأن القرآن يفسر بعضه بعضاً، كما يفسره الصحيح من أقوال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم.
3. عدم الاعتماد على النظريات والفروض العلمية في (الإعجاز العلمي) مع إمكانية تغليب أحد النظريات أو الفروض العلمية في (التفسير العلمي)، والارتقاء بها في حالة موافقتها لوجه تحتمله آية قرآنية أو حديث شريف، وذلك في قضية لم يتم اكتشافها بعد، وهذا التفسير كما ذكرنا يعتبر جهداً بشرياً يحتمل الصواب أو الخطأ، واحتمال خطئه لا ينال من جلال القرآن في شيء، والمفسر في هذه الحالة كالمجتهد، إن أصاب فله أجران، وإن أخطاً فله أجر واحد.
ففي جانب الإعجاز نحن لا نوظف إلا القضايا التي حسمها العلم، والتي انتهى منها، والتي لا رجعة فيها، وبما أن العلم لم يحسم كل قضية، وهناك قضايا كثيرة لم تحسم بعدُ، وقضايا ذكرها القرآن الكريم لا نستطيع أن نتحدث فيها بإعجاز، ولكن نتحدث فيها بتفسيرٍ علمي. والتفسير العلميُّ يجوز استخدام النظرية فيه حتى لو تغيرت، لا توجد حقيقة متاحة لنا، ولكن توجد أربع أو خمس نظريات، فأنا أرجح إحداها بتفسير دلالة الآية، ولا حرج في ذلك ـ إن شاء الله ـ إلا أني كما أشرت أن الذين فسروا باللغة أصابوا وأخطأوا، والخطأ في التفسير لا يُحسبُ على دلالة القرآن، وإنما يحسب على جُهد المفسر وفهمه.
4. عدم الخوض في أمر غيبية غيبة مطلقة كالذات الإلهية، والروح، والملائكة، والجن، وحياة البرزخ، وحساب القبر، وقيام الساعة، والبعث والحساب، والميزان والصراط، والجنة والنار وغيرها، والتسليم بالنصوص الواردة فيها تسليماً كاملاً، انطلاقاً من الإيمان الكامل بكتاب الله ـ تعالى ـ وسنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقيناً راسخاً بعجز الإنسان عن الوصول إلى مثل هذه الغيبيات المطلقة.
5. الحرص على عدم الدخول في التفاصيل العلمية الدقيقة التي لا تخدم قضية الإعجاز العلمي للآية أو الآيات القرآنية الكريمة ـ مثل المعادلات الرياضية المعقدة، والرموز الكيميائية الدقيقة ـ إلا في أضيق الحدود اللازمة لإثبات وجه الإعجاز.
6. مع التزام المفسر بما سبق، فإنه يجب عليه أن يقدم ما يعن له من تفسير ـ وليس إعجاز ـ مستوفٍ للشروط السابقة على أنه معنى محتمل في الآية، لا على أنه التفسير القطعي الذي أراده الله ـ تعالى ـ بها يقيناً، إنما يجب أن يضع في اعتباره ـ وأن يؤكد ذلك بالتصريح الواضح ـ أن الله وحده هو العليم بمراده علماً كاملاً يقينياً محيطاً، لا يتيسر مثله ـ أو ما يقاربه ـ لمخلوق.
بعدما عرضنا لحضراتكم باختصار ضوابط التفسير العلمي نقول أنه لا ذنب للإسلام أن يجهل ذلك قلة من أبنائه، فيكرسون الشعور بالنقص والتبعية، ثم يتعجبون في نفس الوقت من بعض العلماء المعاصرين الذين يعمقون الاعتزاز بالدين والإيمان والعلم من خلال محاولة تفسير علمي لبعض آيات القرآن الكريم تستهدف توظيف معطيات العلم لحسن فهم دلالة تلك الآيات، أو من خلال تناول حقائق علمية يقينية كشف عنها العلم الحديث، ثم تبين أن هناك آيات قرآنية نزلت منذ أكثر من أربعة عشر قرناً تتناول تلك الحقائق، ويتسع الفهم والتفسير لها ومن دون تعسف للإفصاح عن تلك الحقائق، فيثبت لكل صاحب عقل حر ونزيه أن خالق تلك الحقيقة أو الحقائق هو منزل القرآن الكريم على قلب هذا النبي الأمين ـ عليه الصلاة والسلام ـ لافتاً إلى أن الآيات الكونية في كتاب الله ـ عز وجل ـ والتي يزيد عددها على الألف آية صريحة بالإضافة إلى آيات أخرى عديدة تقترب دلالتها من الصراحة، والتي تشكل في مجموعها حوالي سدس آيات القرآن الكريم مجتمعة، هذه الآيات لا يمكن فهمها فهماً عميقاً في إطارها اللغوي فقط، بل لابد من توظيف المعارف العلمية الحديثة من أجل ذلك؛ لأن فيها من الألفاظ والمعاني ما لا يقف على دلالتها إلا الراسخون في العلم، كلٌ في حقل تخصصه، ومن هنا كانت الآيات القرآنية العديدة التي تشير إلى مستقبلية الفهم لبعض الآيات القرآنية، مثل قوله ـ تعالى ـ: " لِّكُلِّ نَبَأٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ " (الأنعام:67)."
المصدر:
http://www.elnaggarzr.com/print.php?l=ar&id=878&cat=29
¥