تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

- ومما يدل على إطلاق المعاني على العلل ما قاله الزركشي (ت: 794هـ): " قال: الاستنباط مختص بإخراج المعاني من ألفاظ النصوص ... فقد جعل الله للأحكام أعلاماً من الأسماء والمعاني بالألفاظ الظاهرة، والمعاني عللٌ باطنةٌ، فيكون بالاسم مقصوراً عليه، وبالمعنى متعدياً، فصار معنى الاسم (12) أخص بالحكم من الاسم، فعموم المعنى بالتعدي، وخصوص الاسم بالتوقيف، وإن كانت تابعة للأسماء، لأنها مشروعة فيها، فالأسماء تابعة لمعانيها لتعديها إلى غيرها" (13).

- قال الماوردي (ت: 450 هـ): "ويحتمل ثامناً: أن المحكم ما كانت معاني أحكامه معقولة، والمتشابه ما كانت معاني أحكامه غير معقولة، كأعداد الصلوات، واختصاص الصيام بشهر رمضان دون شعبان" (14).

ومراده أن المحكم معلوم العلة، ولم يُرِدْ أنه مفهوم المعنى اللغوي، بدليل تمثيله لغير معقول المعنى بأعداد الصلوات، فإنه لا تُعلم حكمة اختصاصها، كسبب الاقتصار على الركعتين في الفجر والأربع في الظهر والعصر .. وهلم جرا، فإن العلماء يتوقفون عند حكمة ذلك ويكلونها إلى الله تعالى فهي إذن غير معقولة المعنى (15).

إذا ثبت ذلك فهل مراد الذين يقولون: (إن الأحرفَ المقطعةَ ليس لها معنى): أنه لا يوجد في الذهن تصورٌ لمعناها، أو أنهم يريدون أننا لا نصل إلى حكمتها ومراد الله تعالى منها، فهي غير معقولة المعنى؟.

وسيتضح الجواب على هذا السؤال باستكمال تأمل القضايا الثلاث المتبقية.

ثانياً: النظر في أصل الحرف عند العرب، هل له معنى أو أنه وضع لغير معنى:

فإن كلمة (حرف): اسمٌ له مدلول عند العرب الذين شهدوا التنزيل، وله معنى غير معناه عند النحاة.

فهو عند العرب: يشمل الاسم، والفعل، والحرف الاصطلاحي عند أهل النحو، كما يشمل حروف الهجاء (16).

قال شيخ الإسلام: "والحرف في لغة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه يتناول الذي يسميه النحاة اسماً وفعلاً وحرفاً؛ ولهذا قال سيبوبه في تقسيم الكلام: (اسم وفعل وحرف جاء لمعنى، ليس باسم ولا فعل) (17). فإنه لما كان معروفاً من اللغة أن الاسم حرف، والفعل حرف؛ خَصَّ (18) هذا القسمَ الثالثَ ـ الذي يطلق النحاةُ عليه الحرفَ ـ أنه جاء لمعنى ليس باسم ولا فعل، وهذه حروف المعاني التي يتألف منها الكلام (19).

وأما حروف الهجاء فتلك إنما تكتب على صورة الحرف المجرد وينطق بها غير مُعْرَبَةٍ ولا يقال فيها معرب ولا مبني؛ لأن ذلك إنما يقال في المؤلَّف" (20).

وقال: " وأما تسمية الاسمِ وحده كلمة، والفعلِ وحده كلمة، والحرفِ وحده كلمة، مثل (هل) و (بل): فهذا اصطلاحٌ محضٌ لبعض النحاة، ليس هذا من لغة العرب أصلاً. وإنما تسمي العربُ هذه المفردات حروفاً، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من قرأ القران فله بكل حرف عشر حسنات أما أني لا أقول (ألم) حرف ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف) (21) " (22).

وقال المباركفوري (ت: 1353 هـ): " والحرف يطلق على حرف الهجاء، والمعاني، والجملة المفيدة، والكلمة المختلف في قراءتها، وعلى مطلق الكلمة" (23).

وأما أحرف الهجاء المعروفة: فهي إحدى المعاني التي يدلُّ عليها اسم (الحرف) عند العرب: وكل واحد منها رمزٌ مجردٌ، لا يدلُّ إلا على نفسه، ما دام مستقلاً لا يتصل بحرف آخر (24).

فهي رموز لا تدل على معانٍ، وإنما تدل فقط على نفسها، بخلاف من ادعى ثبوت معانٍ لها عند العرب.

وأما الحرف عند أهل النحو فهو: كلمة لا تدل على معنى في نفسها، وتدلُّ على معنى في غيرها إذا ضُمَّ إليها، ولا تدلُّ على زمنٍ ما (25).

وهذه الحروف عند النحاة تُسمَّى (أدوات الربط)؛ لأن الكلمة إما أن تدلَّ على ذات، وإما أن تدلَّ على معنى مجرد ـ أي: حدث ـ، وإما أن تربط بين الذات والمعنى المجرد منها. فالاسم يدل على الذات، والفعل يدلُّ على المعنى المجرد منها، والحرف هو الرابط.

وهذا الحرف النحوي يختلف اختلافاً كاملاً عن (الحرف الهجائي) الذي تُبنى منه صيغة الكلمة؛ كالباء، والتاء، والجيم، وغيرها من سائر الحروف الهجائية، وتسمى هذه الأحرف الهجائية أحرفَ البناء، وأما النحوية فهي أحرف المعاني (26).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير