تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ثُمَّ إضَافَتُهُمْ السِّحْرَ لِسُلَيْمَانَ إمَّا لِتَفْخِيمِ شَأْنِ السِّحْرِ لِتَقْبَلَهُ النَّاسُ، وَإِمَّا لِقَوْلِ الْيَهُودِ إنَّهُ مَا وُجِدَ ذَلِكَ الْمُلْكُ إلَّا بِالسِّحْرِ، وَإِمَّا لِأَنَّهُ لَمَّا سُخِّرَ لَهُ مَا مَرَّ كَالْجِنِّ وَكَانَ يُخَالِطُهُمْ وَيَسْتَفِيدُ مِنْهُمْ أَسْرَارًا عَجِيبَةً غَلَبَ عَلَى الظُّنُونِ الْفَاسِدَةِ أَنَّهُ - حَاشَاهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ - اسْتَفَادَ السِّحْرَ مِنْهُمْ وَذَلِكَ السِّحْرُ كُفْرٌ فَلِذَلِكَ بَرَّأَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - بِقَوْلِهِ: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ} الدَّالِّ عَلَى أَنَّهُمْ نَسَبُوهُ لِلْكُفْرِ كَمَا رُوِيَ عَنْ بَعْضِ أَحْبَارِ الْيَهُودِ أَنَّهُمْ قَالُوا أَلَا تَعْجَبُونَ مِنْ مُحَمَّدٍ يَزْعُمُ أَنَّ سُلَيْمَانَ كَانَ نَبِيًّا وَمَا كَانَ سَاحِرًا.

وَرُوِيَ أَنَّ سَحَرَةَ الْيَهُودِ زَعَمُوا أَنَّهُمْ أَخَذُوا السِّحْرَ عَنْ سُلَيْمَانَ فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ وَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ الْكُفْرَ الْقَبِيحَ إنَّمَا هُوَ لَاحِقٌ بِهِمْ بِقَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا}.

وَالسِّحْرُ: لُغَةً كُلُّ مَا لَطَفَ وَدَقَّ، مِنْ سَحَرَهُ إذَا أَبْدَى لَهُ أَمْرًا فَدَقَّ عَلَيْهِ وَخَفِيَ، وَمِنْهُ: {فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ} وَهُوَ مَصْدَرٌ شَاذٌّ إذْ لَمْ يَأْتِ مَصْدَرٌ لِفِعْلِ يَفْعَلُ بِفَتْحِ عَيْنِهِ فِيهِمَا عَلَى فِعْلٍ بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ إلَّا هَذَا وَفَعَلَ.

وَالسَّحْرُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ الْغِذَاءُ لِخَفَائِهِ وَالرِّئَةُ وَمَا تَعَلَّقَ بِالْحُلْقُومِ وَهُوَ يَرْجِعُ لِمَعْنَى الْخَفَاءِ أَيْضًا، وَمِنْهُ قَوْلُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: {تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي}، وقَوْله تَعَالَى: {إنَّمَا أَنْتَ مِنْ الْمُسَحَّرِينَ} مَعْنَاهُ مِنْ الْمَخْلُوقِينَ الَّذِي يُطْعَمُونَ وَيَشْرَبُونَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: {مَا أَنْتَ إلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا} أَيْ وَمَا أَنْتَ إلَّا ذُو سِحْرٍ مِثْلُنَا.

وَشَرْعًا: يَخْتَصُّ بِكُلِّ أَمْرٍ يَخْفَى سَبَبُهُ وَعُمِلَ عَلَى غَيْرِ حَقِيقَتِهِ، وَيَجْرِي مَجْرَى التَّمْوِيهِ وَالْخِدَاعِ، وَحَيْثُ أُطْلِقَ فَهُوَ مَذْمُومٌ، وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ مُقَيَّدًا فِيمَا يَنْفَعُ وَيُمْدَحُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إنَّ مِنْ الْبَيَانِ لَسِحْرًا} .....

قَوْله تَعَالَى: {وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ} فِيهَا أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: أَظْهَرُهَا أَنَّهَا مَوْصُولَةٌ عَطْفًا عَلَى السِّحْرِ: أَيْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَالْمُنَزَّلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ.

وَقِيلَ: نَافِيَةٌ، أَيْ: وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ إبَاحَةُ السِّحْرِ.

وَقِيلَ مَوْصُولَةٌ مَحَلُّهَا جُرَّ عَطْفًا عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ؛ لِأَنَّ عَطْفَهَا عَلَى السِّحْرِ يَقْتَضِي أَنَّ السِّحْرَ نَازِلٌ عَلَيْهِمَا، فَيَكُونُ مُنْزِلُهُ هُوَ اللَّهُ، وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ، وَكَمَا لَا يَجُوزُ فِي الْأَنْبِيَاءِ أَنْ يُبْعَثُوا لِتَعْلِيمِ السِّحْرِ فَالْمَلَائِكَةُ أَوْلَى، وَكَيْفَ يُضَافُ إلَى اللَّهِ مَا هُوَ كُفْرٌ؟ وَإِنَّمَا يُضَافُ لِلْمَرَدَةِ وَالْكَفَرَةِ، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى أَنَّ الشَّيَاطِينَ نَسَبُوا السِّحْرَ إلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَالْمُنَزَّلِ عَلَى الْمَلَكَيْنِ مَعَ أَنَّ مُلْكَهُ وَالْمُنَزَّلَ عَلَيْهِمَا بَرِيئَانِ مِنْ السِّحْرِ بَلْ الْمُنَزَّلُ عَلَيْهِمَا هُوَ الشَّرْعُ وَالدِّينُ.

وَكَانَا يُعَلِّمَانِ النَّاسَ قَبُولَهُ وَالتَّمَسُّكَ بِهِ، فَكَانَتْ طَائِفَةٌ تَتَمَسَّكُ وَأُخْرَى تُخَالِفُ.

انْتَهَى.

وَاعْتَرَضَهُ الْفَخْرُ بِأَنَّ عَطْفَهُ عَلَى " مُلْكٍ " بَعِيدٌ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَلِيلٍ.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير