تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[من أسرار الإعجاز البياني في القرآن- سر النفي بـ (لن) و (لا)]

ـ[محمد إسماعيل]ــــــــ[28 Mar 2004, 03:00 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

من أسرار الإعجاز البياني في القرآن

سر النفي بـ (لن) و (لا)

قال الله تعالى في حق اليهود: {قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ولن يتمنوه أبدًا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين} [البقرة:94 - 95]

وقال سبحانه في الآية الأخرى: {قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ولا يتمنونه أبدًا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين} [الجمعة:6 - 7]

لماذا نفى الله تعالى تمني اليهود للموت في الآية الأولى بـ (لن)، ونفاه في الآية الثانية بـ (لا)؟ 00 ما معنى (لن)، ومعنى (لا)؟ وما الفرق بينهما؟

وفي الإجابة عن ذلك نقول بعون الله، وتعليمه:

أولاً- كان اليهود يدعون في جملة ما يدعون أن لهم الدار الآخرة خالصة عند الله تعالى، وأنهم أولياء لله من دون الناس، وكان النصارى بقولون مثل قولهم هذا0 وقد حكى الله تعالى ذلك عن الطائفتين، فقال جلَّ ثناؤه: {وقالوا لن يخل الجنة إلا من كان هودًا أو نصارى} [البقرة:111] 0 وقال في آية أخرى: {وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه} [المائدة:18] 0

ولما أراد الله تعالى أن يبطل ادعاءهم، ويبين فساد أقوالهم، ويفضح أمرهم، أمر سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم: إن صحَّ قولكم، وصدق زعمكم، وكنتم على ثقة من أنكم على حق، فتمنوا الموت؛ لأن من أيقن أنه من أهل الجنة، وأنه وليٌّ لله من دون الناس، اشتاق إلى الجنة، وتمنى سرعة الوصول إليها، ليستريح من كرب الدنيا وهمها وغمها، ويصير إلى رَوْح الجنة؛ فإن الله لا بعذب أولياءه فيها0 ثم أخبر تعالى عنهم مرة بقوله: {ولن يتمنوه أبدًا}، ومرة أخرى بقوله: {ولا يتمنونه أبدًا}؛ وذلك بسبب كفرهم وعصيانهم0

وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في اليهود:” لو تمنوا الموت، لغصَّ كل إنسان بريقه، فمات مكانه، وما بقي على وجه الأرض يهوديٌّ “0 وفي رواية أخرى:” والذي نفسي بيده، لا يقولها أحد منكم إلا غصَّ بريقه “0 أي: لا يقول أحد منكم- والخطاب لليهود-: أتمنى الموت0 أو: ليتني أموت0 فلولا أنهم كانوا موقنين بصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقالوها0 ولكنهم كانوا يعلمون أنهم لو قالوها، لماتوا من ساعتهم، ولحقهم الوعيد0 فانكشف بذلك لمن كان مشكلاً عليه أمر اليهود يومئذ كذبهم، وبهتانهم، وبغيهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وظهرت حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحجة أصحابه- رضي الله تعالى عنهم- عليهم00 ولم تزل- والحمد لله- الحجة ظاهرة عليهم، وعلى غيرهم من الملاحدة والكفرة إلى يوم الدين0

ومن هنا كان هذا الإخبار من الله تعالى عن اليهود من المعجزات التي دلَّت على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وصدق رسالته؛ لأنه إخبار بالغيب0 والإخبار بالغيب معجز0

ثانيًا- لقد نفى الله تعالى تمنيهم الموت في آية البقرة بـ (لن)، فقال جل شانه: {ولن يتمنوه أبدًا}، ونفاه في آية الجمعة بـ (لا)، فقال سبحانه: {ولا يتمنونه أبدًا}، فدلَّ ذلك على أن بينهما فرقًا في اللفظ، ينبني عليه فرق في المعنى00 ولكن الزمخشري في كشافه يقول: ولا فرق بين (لا) و (لن)، في أن كل واحدة منهما نفيٌ للمستقبل؛ إلا أن في (لن) تأكيدًا، وتشديدًا، ليس في (لا) 0 فأتى مرة بلفظ التأكيد، ومرة بغير لفظه0

وعلَّل الفخر الرازي، وغيره لذلك بأن دعوى اليهود الأولى أعظم من دعواهم الثانية؛ لأن السعادة القصوى فوق مرتبة الولاية؛ لأن الثانية تُرَاد لحصول الأولى0 ولمَّا كانت (لن) أبلغ في النفي من (لا)، وأقوى منها، جعلها الله تعالى لنفي الأعظم0

وجمهور النحاة والمفسرين قدماء، ومتأخرين، ومعاصرين على القول بأن (لن) أبلغ، وأقوى في النفي من (لا)، وأن النفي بها أبديٌّ بخلاف (لا) 00 والمستقرىء للنصوص القرآنية، والعربية المنفية بـ (لن)، وبـ (لا)، بجد خلاف ذلك تمامًا00 وبيان ذلك:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير