تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[من أسرار الإعجاز البياني في القرآن]

ـ[محمد إسماعيل]ــــــــ[24 Mar 2004, 02:30 ص]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الله تعالى في حق أهل النار: {حتى إذا جاؤوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى} [الزمر:71] 0

وقال جل ثناؤه في حق أهل الجنة: {حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين} [الزمر:73] 0

والسؤال الذي يتردد كثيرًا هنا: ما نوع الواو: في قوله تعالى: {وفتحت أبوابها} من الآية الثانية؟

ولمَ أدخلت هنا، ونزعت منه في الآية الأولى؟

أولاً- قبل الإجابة عن ذلك نذكر بعض ما قاله علماء العربية في هذه الواو، ونبدأ بالفرَّاء- شيخ الكوفيين- وكان قد علل لدخولها في الآية الثانية، فقال:” العرب تدخل الواو في جواب (لمَّا) و (حتى إذا) وتلقيها00 فمن ذلك قول الله: {حتى إذا جاؤوها فتحت أبوابها} وفي موضع آخر: {وفتحت} وكلٌّ صواب “0 وتابعه في ذلك الطبري، في أحد قوليه.

أما سيبويه- شيخ البصريين- فقد حكى لنا رأيَ أستاذه الخليل في الآية الثانية، فقال: ” سألت الخليل عن قوله جل ذكره: {حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها}: أين جوابها؟ وعن قوله جل وعلا: {ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب} [البقرة:75]، {ولو ترى إذ وقفوا على النار} [الأنعام:7]، فقال: إن العرب قد تترك في مثل هذا الخبر الجواب في كلامهم، لعلم المخبَر لأي شيء وضِع هذا الكلام".

وحكى الأخفش- تلميذ سيبويه- عن الحسن- رضي الله عنه- أنه فسر الآية الثانية على إلقاء الواو من قوله تعالى: {وقال لهم خزنتها} 0 أي: قال لهم خزنتها0ثم قال:” فالواو في مثل هذا زائدة “0 ولكنه قال في موضع آخر:” وإضمار الخبر أحسن في الآية".

فعلى قول الفراء يكون جواب {حتى إذا} في الآيتين هو قوله تعالى: {فتحت أبوابها} 0 وعلى قول الخليل وسيبويه يكون الجواب في الآية الثانية محذوفًا لعلم المخاطب0 وعلى تفسير الحسن- رضي الله عنه- يكون الجواب في الآية الثانية هو قوله تعالى: {قال لهم خزنتها}.

وفسروا قول الفراء على زيادة الواو0 ونسبوا ذلك إلى الكوفيين، وفسروا قول الخليل وسيبويه على أن الواو عاطفة، والجواب محذوف0 ونسبوا ذلك إلى البصريين00 وإلى هذا أشار النحاس بقوله:” فالكوفيون يقولون: زائدة0 وهذا خطأ عند البصريين؛ لأنها تفيد معنى؛ وهي للعطف ههنا، والجواب محذوف “.

ثم اختلفوا في موضع الجواب المحذوف على قولين:

- أحدهما قبل الواو.

- والثاني بعد الواو.

وكذلك اختلفوا في تقدير الجواب المحذوف على أقوال؛ أشهرها قول الزجاج، ونصه الآتي:” والذي قلنه أنا- وهو القول إن شاء الله- أن المعنى: حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين، دخلوها0 وحذف؛ لأن في الكلام دليلاً عليه0 والدليل هو قوله تعالى: {دخلوها} ".

واختار الطبري قول الزجاج على أنه أولى الأقوال بالصواب، مع تجويزه لقول الفراء الذي ابتدأنا به، كما ذكرنا00 أما الزركشي فقال:” ويحتمل أن يكون التقدير: حتى إذا جاؤوها- أذن لهم في دخولها- وفتحت أبوابها “00 واختلفوا في معنى الواو على هذا القول على قولين:

- أحدهما: أنها عاطفة على الجواب المحذوف.

- والثاني: أنها حالية، وإليه ذهب الزجاج، والزمخشري، وأبو حيان. وأجاز الزركشي القولين معًا. وحكى القرطبي عن أبي بكر بن عياش أنها واو الثمانية، وذكر أن من عادة قريش إذا عدوا، قالوا: خمسة، ستة، سبعة، ثمانية ولهذا دخلت الواو هنا، ولم تدخل في الآية الأولى؛ لأن أبواب النار سبعة. ورد كثير من النحاة والمفسرين هذا القول لضعفه.

و أخيرًا استقرَّ رأي جمهور المتأخرين على أنها واو الحال، وأن المعنى: حتى إذا جاؤوها وقد فتحت أبوابها، دخلوها0 أو ما شابه ذلك0 وقليل منهم من ذهب إلى أنها زائدة0

وقد لقيَ القول الأول من هذين القولين- مع تكلفه- صدًى واسعًا في نفوس الكثير من الدارسين، والباحثين المعاصرين، من علماء اللغة والنحو والتفسير، أذكر منهم الدكتور فضل حسن عباس، صاحب كتاب (لطائف المنان وروائع البيان في دعوى الزيادة في القرآن).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير