[تأملات قرآنية في سورة الكهف (2)]
ـ[عبد الله بن حميد الفلاسي]ــــــــ[29 Mar 2004, 11:08 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
تأملات قرآنية في سورة الكهف
الحلقة الثانية
بقلم
أبي عبد الله فتحي بن عبد الله الموصلي
التوحيد وأثره في الولاية الشرعية
الحلقة الأولى على ملف ورد - اضغط هنا - ( http://www.alalmi.net/attachment.php?attachmentid=7)
الحلقة الثانية على ملف ورد - اضغط هنا - ( http://www.alalmi.net/attachment.php?attachmentid=8)
المقصودُ من قومتِهم توحيدُ الإلهية
يقول الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي – رحمه الله تعالى – في "تفسيره" (5/ 15): " فاستدلوا بتوحيد الربوبية على توحيد الإلهية، ولهذا قالوا: ((لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَهاً)) ... فجمعوا بين الإقرار بتوحيد الربوبية، وتوحيد الإلهية، والتزام ذلك بيان أنه الحقّ، وما سواه الباطل ".
فوافقوا ذلك منهج الرسل وسيلة ومقصداً، فطريقتهم في الاستدلال هي من جنس استدلال الرسل، ومقصودهم هو أيضاً من جنس مقصود الرسل في الدعوة إلى الله – تعالى –.
وتأكيداً لهذا المقصود نفوا دعاء غير الله نفياً مؤبداً لأنهم علموا أن أخص شيء في توحيد الإلهية هو إفراد الله – تعالى – بالدعاء قولاً وقصداً وعملاً ...
فهم آثروا المعنى الخاص للعبادة على معناها العام، فالدعاء أخص العبادة؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: " الدعاء هو العبادة " رواه أحمد في "المسند".
وهم في هذا المقام نزلوا منزلة الإحسان لمّا تذوقوا حلاوة المناجاة لربّ العالمين، وذوقهم هذا ما هو إلا ثمرة التعبد بالأسماء والصفات وأثرها في الخلق والأمر؛ فهم استحضروا اسم الله (الرقيب) لما في هذا الاسم من المعاني المقتضية للعلم والعمل.
الإحسان في توحيد الله
إن إيثار الدعاء على المعنى الجامع للعبادة من موجبه ذوق حلاوة المناجاة باستحضار معنى القرب والمعيّة كما قال تعالى: ((وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ)).
وإحسانهم هذا أثمر لهم استقامة على طريقة الهداية، فما كان منهم إلا أن التفتوا إلى قومهم دعوة ونصحاً لهم.
((لَقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً)).
أي: قولاً مائلاً عن الحقّ إلى الباطل، فهو من: شطّ الشيء؛ إذا طفح ومال، وهذا القول منهم هو من كمال إخلاصهم – لله تعالى –، وتجريدهم التوحيد من العلائق والشوائب والحجب.
فهم قدحوا في حظوظ أنفسهم ابتداء، وردّوا كل قول مضاد للتوحيد حتى لو كان قولاً صادراً منهم، ذلكم أنّ الإحسان في توحيد الله تعالى قولاً وعملاً لا يكون إلا بأمور ثلاثة:
الأول: استحضر العبد أسماء الله – تعالى – علماً وعملاً، وفقه معناها وأثرها في العالمين العُلوي والسفلي، وهذا من باب تحقيق توحيد الإلهية بطريقة التعبد بالأسماء والصفات، ويا له من باب عالي المطالب رفيع المقاصد.
الثاني: صيانة الظاهر والباطن من الاعتراض على الحكم الشرعي الديني أو القدري الكوني (1).
الثالث: القدح في حظوظ النفس وعلائقها.
فهؤلاء الفتية لما قالوا: ((لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَهاً لَقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً)) فهم استحضروا موجبات الدعاء من الأسماء والصفات أولاً.
وقدحوا في حظ أنفسهم، وجرّدوا ظاهرهم وباطنهم من الاعتراض على حكم الله الكوني والشرعي ثانياً، فتأمّل.
((هَؤُلاء قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ)).
لما فقهوا عقيدتهم وذكروا ما منّ الله بهِ عليهم من الإيمان والهدى والتقوى التفتوا إلى ما كان عليه قومهم، وبدأوا بواقعهم يصفونه وصفاً دلّ على فقههم بأحوال هذا الواقع لا كدعاة اليوم الذين جعلوا الدعوة إلى توحيد الله آخر الأمر، هذا إن كان ثمّة دعوة إليه بنتيجة الأمر!!
فأول أمر أدركه هؤلاء الفتية في واقع قومهم هو ما عليه قومهم من الشرك وفساد العقيدة، وهذا بحدّ ذاته أمر يستدعي الاهتمام واستفراغ الجهد في إبطاله وإزالته.
والآية صدّرت قولهم بـ ((هَؤُلاء)) لما فيه من معنى التمييز والتحقير لقومهم بما هم عليه من الشرك بالله وفساد المعتقد.
وجاء في تفسير التحرير والتنوير لابن عاشور (15/ 274):
¥