[سورة الفاتحة (2)]
ـ[عبد الله بن حميد الفلاسي]ــــــــ[18 Apr 2004, 06:47 ص]ـ
تفسير آيات سورة الفاتحة
للشيخ هشام العارف
1/ بسم الله الرحمن الرحيم:
معنى البسملة التي جاءت أول الكتاب الكريم: أن جميع ما جاء في القرآن من الأحكام والشرائع والأخلاق والآداب والمواعظ، هو من الله ليس لأحد غيره فيه شيء، وكأنه قال اقرأ يا محمد هذه السورة بسم الله الرحمن الرحيم، أي اقرأها على أنها منك، فإنه أنزلها عليك لتهديهم بها إلى ما فيه خيرهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة، وكذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يقصد من تلاوتها على أمته أنه يقرأ عليهم هذه السورة باسم الله لا باسمه أي أنها من الله لا منه، فإنما هو مبلغ عنه تبارك وتعالى كما جاء في قوله تعالى في سورة النمل: (وأمرت أن أكون من المسلمين (91) وأن أتلوا القرآن فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين (92).
وقال أبو جعفر الطبري ـ رحمه الله ـ:"إن الله تعالى ذكره، وتقدست أسماؤه، أدب نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بتعليم تقديم ذكر أسمائه الحسنى أمام جميع أفعاله .. وجعل ما أدبه به من ذلك وعلمه إياه منه لجميع خلقه سنة يستنون بها، وسبيلا يتبعون عليها في افتتاح أوائل السور منطقهم، وصدور رسائلهم وكتبهم وحاجاتهم".
ومن هذا ما علم الله نوحاَ عليه السلام من ذكر اسمه سبحانه في بداية ارتحاله قال تعالى في سورة هود: (وقال اركبوا فيها باسم الله مجريها ومرساها) وكذا ما علم سليمان النبي الملك من تصدير رسالته إلى ملكة سبأ بذكر الله العظيم، قال تعالى في سورة النمل: (إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم). كما وجهنا الله إلى ذكر اسمه على ما نطعم فقال في سورة الأنعام: (فكلوا مما ذكر اسم الله عليه) وأرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذكر البسملة عند الوضوء، وعند الذبح، وعند الاصطياد، وعند ابتداء الطعام والشراب، وللرقية المأثورة من الوجع والمرض، وعند دخول المسجد والخروج منه، وعند إتيان الرجل امرأته، وكلما أصبح المسلم وأمسى، والتسمية على مرافق البيت عند النوم، وعند النوم، وعند الاستيقاظ من النوم، وعند الخروج من المنزل وعند الدخول.
2/ الحمد لله رب العالمين:
(الحمد لله) لم يذكر الله لحمده هنا ظرفاً مكانياً ولا زمانياً، وذكر في سورة الروم أن من ظروفه المكانية:
السماوات والأرض في قوله: (وله الحمد في السماوات والأرض)، وذكر في سورة القصص أن من ظروفه الزمانية: الدنيا والآخرة في قوله: (وهو الله لا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة).
والألف واللام في (الحمد) لاستغراق جميع المحامد، وهو ثناء أثنى به تعالى على نفسه، وفي ضمنه أمر عباده أن يثنوا عليه به. فالحمد يكون لله فقط ولا يكون لغيره، لأنه رب العالمين، أما الشكر فيكون لله ولغيره قال الله تعالى في سورة لقمان (أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير).
والحمد كلمة كل شاكر، وذكر رددته أنبياء الله ورسله، وتعبدهم به المولى سبحانه، قال الله عز وجل في سورة المؤمنون لنوح عليه السلام: ( .. فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين) كما قال تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام في سورة إبراهيم: (الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق)، وقال في قصة داود وسليمان في سورة النمل: (وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين) وقال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم في سورة الإسراء: (وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا) وأهل الجنة يقولون كما في سورة فاطر (الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن) وقال تعالى في سورة يونس (وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين).
ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم حامداً لله على كل حال، فهو صلى الله عليه وسلم قدوتنا في الحمد، وقد علمنا أن نحمد الله بعد الأكل والشرب، وعند الاستيقاظ من النوم، وعند العطاس، وعند رؤية مبتلى، وبعد الرفع من الركوع في الصلاة، وبعد الصلاة. وقد ثبت من حديث عمران بن حصين مرفوعاً: "أفضل عباد الله تعالى يوم القيامة الحمادون". أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"، وصححه الألباني في "الصحيحة" (1584).
¥