[لماذا اختار الله تعالى اللغة العربية للقرآن الكريم؟]
ـ[محمد كالو]ــــــــ[29 Apr 2004, 02:39 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
إن القرآن الكريم هو الذي وحَّد اللهجات العربية في بوتقة واحدة , فتحصنت اللغة العربية , ثم جاء المغول ليخنقوها , وقذفوها في مياه دجلة , إلا أنها لم تختنق ولم تغرقها مياه دجلة العارمة , فهبت اللغة العربية منتصبة على قدميْها.
وجاء (نابليون) يريد محوها ودفنها , فلم يستطع وأعلنت العربية عن وجودها.
وجاءت حركة (الاتحاد والترقي) في العهود الأخيرة من عمر الخلافة العثمانية , يريدون الكيد منها , فباءوا بالفشل الذريع.
وعقدت مؤتمرات (باريس) لمحو اللغة العربية من أرض الجزائر , فما استطاعوا أن يطفئوا نار حقدهم , هذه اللغة العظيمة , أي شيء أكسبها هذا الخلود والبقاء , لا شك
ولا ريب إنه كتاب الله (القرآن الكريم).
ولهذا نفهم كلام العرب الذي قالوه قبل عشرات القرون , بينما الفرنسيون والإنكليز وغيرهم لا يستطيعون أن يفهموا ما كُتب قبل أربعمائة عام , إلا بجهد جهيد , وبالاستعانة بالمعجمات لحل غموض اللغة التي يسمونها (الكلاسيكية) أو (القديمة) بعد أن تغيرت قواعدها , على عكس العربية.
لقد أكد القرآن الكريم حقيقة عروبته في آيات كثيرة , منها قوله تبارك وتعالى:
(إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون) [1] , وقوله: (ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون، قرآناً عربياً غير ذي عوج لعلهم يتقون) [2] , وقوله أيضاً: (كتاب فصلت آياته قرآناً عربياً لقوم يعلمون) [3].
ومع تأكيد القرآن هذه الحقيقة فقد نفى أن يكون فيه لسان غير عربي.
قال الإمام الشافعي:
(فأقام [الله سبحانه وتعالى] حجته بأن كتابه عربي في كل آية ذكرناها , ثم أكد ذلك بأن نفى عنه ـ جل ثناؤه ـ كل لسان غير لسان العرب في آيتين من كتابه) [4]:
فقال الله تعالى: (ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين) [5] , وقال الله تعالى: (ولو جعلناه قرآناً أعجمياً لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي) [6].
فالقرآن الكريم لم يخرج من مألوف العرب في لغتهم العربية , من حيث المفردات والجمل, فمن حروفهم تألفت كلماته , ومن كلماته ركبت جمله , ومن قواعدهم صيغت مفرداته, وتكونت جمله , وجاء تأليفه , وأحكم نظمه , فكان عربياً جارياً على أساليب العرب وبلاغتهم , ولكنه أعجزهم بأسلوبه وبيانه ونظمه الفذ , إلى جانب نفوذه الروحي , وأخباره بالغيوب , ومعانيه الصادقة , وأحكامه الدقيقة العادلة , والصالحة للتطبيق في كل زمان ومكان , وهو الكتاب الوحيد الذي تحدى منزله ـ جل جلاله ـ البشر كافة أن يأتوا بمثله.
كما يجب علينا أن نلاحظ أن القرآن الكريم , لم يعبر بكلمة (لغة) , وإنما عبر بـ (اللسان) بمعنى اللغة.
قبل نزول القرآن الكريم كان العرب يتكلمون اللغة العربية بالسليقة والسجية , فصيحة معربة , سليمة من اللحن والاختلال , ولم تكن لها قواعد مدونة , والنحو المدون لم يظهر حتى ظهر نور الإسلام , ونزل به القرآن , فخرج جيل الفتح الأول داعين إلى توحيد الله, مبشرين بدينه , حاملين كتابه بلسان عربي مبين , فانتشرت العربية بانتشار الإسلام , وكتب العلماء المسلمون من غير العرب أكثر من علماء العرب , وبذلك أصبحت العربية عالمية مقدسة , ومنتشرة في كثير من أقطار الأرض.
لقد كان للغة العربية ـ بفضل الإسلام ـ أنصار ومحبون من غير العرب, وكان لها منهم علماء وأعلام عرَّبهم الإسلام , حتى كان منهم أصحاب المؤلفات الرائعة , في قواعد اللغة العربية وفي بلاغة القرآن الكريم.
بل إن أعظم كتاب في النحو العربي هو كتاب سيبويه الفارسي.
ومن أعظم كتب العربية وفقهها (الخصائص) لأبي الفتح عثمان بن جني الرومي اليوناني.
وأشهر وأوثق مرجع لغوي في العربية (القاموس المحيط) لأبي طاهر محمد بن يعقوب الشيرازي الفيروزابادي وهو هندي.
وأشهر كتب إعجاز القرآن الكريم وأفضلها , مؤلفوها من غير العرب , نذكر منهم:
أحمد بن محمد الخطابي البستي الأفغاني.
وأبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني.
وعبد القاهر ابن عبد الرحمن الجرجاني.
وغيرهم كثير , ألفوا الكتب في مختلف الدراسات القرآنية, وفروع العربية وآدابها [7].
¥