تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[من أسرار الإعجاز البياني في القرآن- سر دخول اللام على جواب لو الشرطية]

ـ[محمد إسماعيل]ــــــــ[26 Mar 2004, 04:19 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

من أسرار الإعجاز البياني في القرآن

سر دخول اللام على جواب لو الشرطية

قال الله تعالى: (أفرأيتم ما تحرثون* أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون* لو نشاء لجعلناه حطامًا فظلتم تفكهون) [الواقعة:63 - 65]

وقال: (أفرأيتم الماء الذي تشربون* أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون* لو نشاء جعلناه أجاجًا فلولا تشكرون) [الواقعة:68 - 70]

تضمنَّت هذه الآيات الكريمة امتنانًا عظيمًا من الله تعالى على عباده بالزرع الذي يحرثون، والماء الذي يشربون0 وهي دليلٌ على عظمة الله تعالى، وكمال قدرته، ومطلق مشيئته، وشدة حاجة الخلق إليه سبحانه0

وقوله تعالى: {أفرأيتم ما تحرثون - أفرأيتم الماء الذي تشربون} استفهام يراد به التقرير، والتوبيخ، دلَّ عليه وجود الفاء عقِب الهمزة0 ومعناه: خبروني عمَّا تحرثون من أرضكم، فتضعون فيه البذر: {أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون}، وعن الماء، الذي تشربون: {أأنتم أنزلتموه من المزن، أم نحن المنزلون} 0

والجواب الذي لا يملكون غيره في الموضعين هو قولهم: أنت- ياربنا- منبتُ الزرع من الحب، ومنزِّل الماء من السحاب، ونحن لا قدرة لنا على ذلك0 فيقال لهم: إذا عرفتم ذلك، وأقررتم به، فكيف تكفرون بالله العلي القدير، وأنتم تأكلون رزقه، وتشربون ماءه، ثم تعبدون غيره؟ ولمَ لا تلزمون أنفسكم الإقرار بتوحيده سبحانه، وطاعته، والتصديق بالبعث شكرًا له تعالى على نعمه، التي لا تعدن ولا تحصى عليكم؟

ونقرأ قوله تعالى: (أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون)، فنجد فيه لمحة من لمحات الإعجاز البياني؛ حيث كان الظاهر أن يقال: أأنتم تحرثونه أم نحن الحارثون؟ أو يقال: أفرأيتم ما تزرعون؟ بدلاً من: أفرأيتم ما تحرثون؟ فيتطابق الكلامان0 ولكن كلا القولين يُخِلُّ بمعنى الكلام، ونظمه00 وبيانُ ذلك أن بين الحرث، والزرع فرقًا؛ وهو أن الحرث يكون أوائل الزرع، ومقدماته، من إثارة الأرض، وطرح البذر فيها، وقد يتبع ذلك سقيُه، وتعهده بالرعاية0 أما الزرع فهو ما يترتب على الحرث، من خروج النبات، وإنمائه، واستغلاظه، واستوائه على سوقه، وانعقاد الحب في سنبله0 فقوله تعالى: {أفرأيتم ما تحرثون} يعني: أن ما تبتدئون به من الأعمال، أانتم تُبلغونها المقصود، أم الله تعالى؟ ولا يشك أحد في أن إيجاد الحب في السنبل، ليس بفعل الناس؛ وإنما هو بفعل الله العلي القدير0 وفي ذلك إشارة منه سبحانه إلى البعث والنشور!

وفي قوله تعالى: {لو نشاء لجعلناه حطامًا}، {لو نشاء جعلناه أجاجًا} لمحة أخرى من لمحات الإعجاز البياني؛ حيث كان الظاهر أن يقال: لو شئنا، بدلاً من: لو نشاء؛ لأن (لو)، لا تدخل- عند النحاة والمفسرين- إلا على الفعل الماضي؛ فإن دخلت على فعل مستقبل، وجب تأويله بالماضي0 ولهذا تأولوا (لو نشاء) في هاتين الآيتين، وفي غيرهما على معنى: ولو شئنا00 وعلى قولهم يكون الفعل (نشاء) مستقبلاً في اللفظ، ماضيًا في المعنى0

ولعل الصواب في ذلك أن يقال: إن (لو) من الأدوات الشرطية، التي تربط بين جملتين؛ بحيث تجعل بين مضمونيهما تلازمًا، لم يكن مفهومًا قبل دخولها0 وهذا ما يُعبَّر عنه بالتعليق الشرطي؛ وهو نوعان: خبريٌّ، ووعديٌّ0

أما الخبريُّ فهو الذي يكون مُضَمَّنًا جوابًا لسؤال سائل: هل وقع كذا؟ أو يكون ردًّا لقول قائل: قد وقع كذا0 فهذا يقتضي المُضِيُّ لفظًا، ومعنى، ولا يصِحُّ فيه الاستقبال بحال0 ومن الأول قوله تعالى: {فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء؟ قالوا: لو هدانا الله لهديناكم} [إبراهيم:11] 0 ومن الثاني قوله تعالى: {لو شئنا لآتينا كل نفس هداها} [السجدة:13] 00 فهذا تعليق بـ (لو) زمنه الماضي؛ لأنه خبريٌّ0

أما الوعديُّ فالغرض منه هو التعليق المحض المجرد من أيِّ معنى آخرَ0 وهذا يقتضي الاستقبال، ولا يصلح فيه المُضِيُّ بحال من الأحوال؛ كما في قوله تعالى: {لو نشاء}، في الآيتين السابقتين0

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير