تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[تأملات قرآنية في سورة الكهف (1)]

ـ[عبد الله بن حميد الفلاسي]ــــــــ[11 Mar 2004, 03:43 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

تأملات قرآنية في سورة الكهف

الحلقة الأولى

بقلم

أبي عبد الله فتحي بن عبد الله الموصلى

التوحيد وأثره في الولاية الشرعية

يقول الله تعالى: ((نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى * وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَهاً لَقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً * هَؤُلاء قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً)) [الكهف:13 - 15].

سياق الآيات يدلّ على شروع في تفصيل قصة الفتية أصحاب الكهف، وأن الله تعالى يقصّها على نبيهّ بالحق والصدق الذي ما فيه من شك ولا شبهة بوجه من الوجوه.

أي: لا تسأل عن خبرهم، نحن نقصّه عليك بالحق المطابق للواقع من كل وجه حتى تظهر لك مقاصده العلمية الموجبة لتحصيل الشرائع العملية.

((نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ)):

((نَحْنُ)) تقديم الضمير المنفصل ضمير القاص مع ما فيه من التجبيل والتعظيم للإخبار عن المفرد بصيغة الجمع، وياله من قاص، وهو الله تعالى فلا بدّ من اليقين والتذكير والتثبيت.

((نَقُصُّ)) استحضار القصص إشارة إلى استمرارها والاتعاظ بها على مرّ الأزمان.

((عَلَيْكَ)) اهتماماً بشخصية الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه هو حامل هذا الدين والمبلِّغ له، مع ما في التركيب من معنى الفوقية؛ إشارة إلى الاتعاظ بالقصة والعمل بفحواها وعدم الاستئناس بها فقط، ولهذا لم يقل (لك).

((نَبَأَهُم)) والنبأ فيه معنى الخبر جليل الشأن كما قال تعالى: ((عَمَّ يَتَسَاءلُونَ * عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ)) وخبر هذه حاله موجب لشد الانتباه، ومن ثم التفكير فيه وتأمله، كل ذلك إشعار بأن مصادر التلقي هي من الوحي، فلا حاجة ألبتة للسؤال عن أخبارهم، فقد تولى الله تعالى الإخبار عنهم وحياً مطابقاً للواقع، فليس في قصصهم ولا قصص غيرهم زيادة ولا نقصان، وتلقيه صلى الله عليه وسلم قصص هؤلاء الفتية من الله تعالى موجب لتحصيل اليقين من قصصهم فيترتب على ذلك آثار عملية ودعوية فضلاً عن التذكير والتثبيت، يقول تعالى: ((وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ)) [هود:120].

((إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى)):

تصدير الآية بـ ((إِنَّ)) لتوكيد مضمون الآية، ومعلوم أن كلمة ((الفتية)) من جموع القلة – أي دون العشرة -: إشارة إلى أنهم قلة وهذا الوصف متعلّق بتحقيق الغربة والاغتراب، وهي غربة الحال والعقيدة والمنهج كما كانت هي غربة أوطان بالنسبة لهم.

والفتى: هو الشاب الحديث السنّ، وقد استعمل هذا اللفظ في باب المدح والذمّ بحسب السياق، فقد ورد في آيات أخر كما في قوله تعالى: ((سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ)) [الأنبياء:60].

ووصف أصحاب الكهف بالفتوة وارد على سبيل المدح من وجهين:

الأول: إن هؤلاء الفتية لما آمنوا واستجابوا لمنادي الإيمان كانوا في سنّ الشباب والقوة فآثروا الإيمان على الكفر؛ فهم وجهوا فتوّتهم نحو تحصيل الإيمان والثبات عليه، وفي هذا المعنى يقول الحافظ ابن كثير في "تفسيره" (3/ 66): "إنهم الفتية وهم الشباب أقبل للحق وأهدى للسبيل من الشيوخ الذين قد عتوا وانغمسوا في دين الباطل، ولهذا كان أكثر المستجيبين لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم شباباً ... ".

الوجه الثاني: إن لفظ الفتى وإن كان مشعراً بالاستضعاف إلا أنه استضعاف محمود لا مذموم؛ فاستحقوا بموجبه شمولهم بالنصر والدفع عنهم، وهذه سنة كونية تجري لصالح الرسل والدعاة.

إيثار أصل الإيمان ثم السعي لتكميله:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير