المنْتَدَى لأجله، وَ لَعَلَّ هَذا يُحَدِّدُ المَسْأَلَةَ أَكْثَر إِذْ يَبرُزُ لنَا الكَمُّ الهَائِل مِن المواضِيعِ و الدِّراسَاتِ التي طُرحَتْ في الغَالِبِ فِي أَروِقَة هَذا المُلْتَقَى، وَ استفَادَ مِنْهَا الكَثِيْرُون و لعَلِّي مِنْ أَوَائِل المستفِيْدِين، وَ يَبْقَى الأَهَمُّ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ: ما الذي اسْتَفَادَهُ العُمُومِ وَ الكَثِيْرِ مِن المطَّلِعيْن وَ الفِئَامُ مِن النَّاسِ مِنْ خِلالِ ما يُطرَحُ وُ يُتَنَاول وَ يُقَيَّدُ؟!!
و تحْدِيْدِيْ لتِلْكَ المَسْأَلَة يجْعَلُنِي مِنْ خِلاَلِهَا أَنْفُذُ إلى تَوسيْع الدَائرة في الدِّراسَاتِ القُرآنِيَّة المُعَاصِرَةِ وَ التي تملأُ الرفُوفَ وَ المَكْتَبَاتِ الخاصَّةِ أو العَامَّة – عَلَى حِدٍّ سَوَاءٍ – دُوْنَ أنْ يكُوْنَ لهَا أَثَرٌ فِيْ النَّاس هِدَايةً وَ دِلالَةً، وَ مِن غيْرِ الإنْصَافِ أَنْ أتجَاهَل أَطْيَافاً مِنْ عنَاويْن التَّفْسِيْرِ المَوْضُوْعِي في الجَامِعَاتِ أو المَكْتَبَاتِ أَوْ المَرَاكِزِ و المَنْتَدَيَاتِ، و لكنها قليلةٌ بالنَّسْبَةِ إِلَى الكَثْرَةِ الكاثِرَةِ فِي البحُوثِ التَّخَصُّصِيَّة، والتي في غالِبِهَا تَخْدِمُ وَ تُفِيْدُ فئةً مُعَيَّنةً و ثُبَاتٍ مُتَفَرِّقَةً؛ وَ لا تَثْرِيْبِ عَلَى أولئِكَ البَاحِثِيْنَ و المختَصِّيْنَ في دَقِيْقِ مسَائِلهِم وَ جَلِيْلِهَا فَكِلانَا لهَدَفٍ وَاحِدٍ وَ فِيْ طَرِيقٍ وَاحِدٍ.
" أَفَلا يَنْبَغِي لَنَا أنْ نقَوِّم أَنْفُسَنَا قَبْلَ أنْ يَتَوَّلانَا الآخَرُونَ، وَ أَنْ نُصَارِحَ أَنْفُسَنَا قَبْلَ أَنْ ينْتَقِدَنا الآخَرُونَ " كَتَبْتُ هذه الكلِمَةُ إذْ إنَّ مَعْنَاهَا يُقَالُ - في الجُمْلَةِ - لكُلِّ كَاتِبٍ وَ كُلِّ بَاحِثٍ، وَ لَكِنْ فِي الدِّرَاسَاتِ القُرْآنِيَّة تَتَأخَرُ هَذِهِ الكَلِمةُ، و يبقَى الهَمُّ الذِيْ يُشْغِلُ بَالَ الكَثِيْرِيْنَ: " مَوَازِيْنُ القَبُوْلِ أَكَادِيْمِيَّاً و تِجَارِيّاً "، وَ عَذْرُهُم في الغَالب: " شُرُوطُ الجُمُودِ فِي الأقْسَامِ العِلْمِيَّة فِيْ المَرْجِعِيَّاتِ " و " قِلَّةُ الطَّلَبِ مِن النَّاشرِيْنَ و القُرَّاءِ ".
وَ عِنْدَ التَأمُّلِ فِيْمَا سَبَقَ يَنْبَغِيْ عَلَيْنَا أَلاَّ نَنْسَى مَا أَهَّلَنَا اللهُ تَعَالَى لَهُ فِيْ خِدْمَةِ كِتَابِهِ وَ التَّشَرُّفِ فِيْ الانْتِسَابِ إلَيْهِ، وَ إِنَّ خِدْمَةَ كِتَابِ اللهِ – أَيّاً كَانَتْ – لَهُوَ شَرَفٌ لا يُمْكِنُ وَ لا يَجُوْزُ بِحَالٍ أَنْ نُنْقِصَ قَدْرَهَا أَوْ نَنَالَ فَضْلَهَا بِْشَيئٍ؛ إِذَنْ فمَا الذِيْ نَطْلُبُهُ وَ نَرْجُوْه؟
وَلعَلِّي أَخْتَصِرُ المسَافَاتِ - إذْ إِنَّ الشَواغِلَ عِدَّة، وَ سَيَكُوْنُ بمَشِيْئَةِ اللهِ حَلقَاتٌ تاليةٌ – فأقول: -
1 - أنَّ مَا نَكْتُبُهُ إنمَا هو مسجَّلٌ في صحيْفَةِ أعمالنَا، فلا يَغِبْ عَنَّا هذا الأَمْرُ.
2 - أنَّ واقعَ النَّاسِ و حَاجَاتِ النَّاسِ و هُمُومَ الخَلقِ واحِدةٌ من لدن آدم إلى قيام الناس، فعواطفُ الناس و مشَاعِرُهُم، و أخْلاقُهم وطباعُهُم وَاحِدةٌ، تَتَأثر بالبيئة حولها، ومن ثمَّ كانت المداولة بين الرسل و الأنبياء و أقوامهم و من تبلغه دعوتهم، وأن تعدُّدَ الزمن و تباعد الفترات لا يغير من المبادئ و الأسس التي يسلكها الأنبياء و المصلحون، فمهما اختلف الناس و المتَلَّقُوْنَ فإن الغاية واحدة و القبول بطرفيه واحد.
3 - أننا في هذا الزمن بحاجة ماسَّةٍ إلى معرِفَة الأصول العامة التي يتّفِق عليها البشر للوصول مِنْ ثَمَّ إلى دعوة الخَلْقِ و إيصَال الرسالة السماوية - التي نحملها و نتشرَّفُ بالانتساب إليها – إلى الناس كافَّةً، و استغلال هذا الجانب – المتفق عليه – للدخول فيما نريد دينٍ و عقيدة.
4 - أن الحاجَّة تُلِّحُ بكثيرٍ من الدِّراساتِ المعاصرةِ و ربطها بالواقعِ؛ حتى يستفيدَ منها جميعُ الأفرادِ و تتبناها المجتمعاتُ الصغيرةُ و الكبيرةُ.
وَ بَعْدُ ...
... أخي الكَرِيْم .. فإن ما كتبتُهُ يَدُوْرُ و يَشْغَلُ بالَ الكَثِيْرِينَ من المهْتَّمِيْنَ بهَذَا الفنِّ، بل وَ سَائِر المُحبِّينَ ممن يتَأمَّلُون و يتعشَّمُون في منتدَانا الخَيْرَ و البَرَكة ..
و ما رقَمَه القَلمُ منْ صحَّةٍ و صوَابٍ فمنْ اللهِ و منَّته، و ما قصَّر فيه الاسم و الرسْم من لغطٍ أو غلطٍ فمِنْ الشيْطانِ، وَ مِن نفسْي المقصِّرةِ، و أنسبُ الكمال لله تعالى وَحْدَهُ و العصمةَ لرسولِ الله عليه أفضَلُ الصَّلاةِ و أتمُّ التَّسْلِيْمِ.
أسألُ الله تعَالى أن يمنَّ علينَا برضْوَانِه، و أن يشْمَلنَا بإحسَانِهِ، و أنْ يَعمَّنا جميعاً ببرَكة القَصْدِ و التَّرْكِ، و يفيْضَ علينَا صِحَّة القَولِ و العَمَلِ، إنه سميْعٌ قريْبٌ مجيبُ الدعاء.
وصلَّى اللهُ وَ سَلَّمَ علَى نَبِيِّنَا محمَّدٍ وعَلَى آلِه وصَحْبِهِ وَ سلَّمَ تَسْلِيْماً كثيراً
و كتَبَهُ محبُّكُمْ: عَبْدُ اللهِ بنُ صَالِح الخُضَيْرِي
¥